المنفلوطي ..
رمزا ادبيا خلده التاريخ
مصطفى لطفي بن
محمد لطفي بن محمد حسن لطفي
اديب مصري نابغة في الإنشاء والأدب، انفرد
بأسلوب نقي في مقالاته وكتبه، له شعر جيد فيه رقة وعذوبة، قام بالكثير من الترجمة
والاقتباس من بعض روايات الادب الفرنسي الشهيرة بأسلوب أدبي فذ، وصياغة عربية في
غاية الجمال والروعة. لم يحظ بإجادة اللغة الفرنسية لذلك أستعان بأصحابه الذين
كانوا يترجمون له الروايات ومن ثم يقوم هو بصيغتها وصقلها في قالب أدبي رائع.
كتاباته النظرات والعبرات يعتبران من أبلغ ما كتب بالعربية في العصر الحديث.
نشأته
ولد مصطفى لطفي المنفلوطي في سنة
1876م من أب مصري وأم تركية في مدينة منفلوط من الوجه القبلي لمصر من أسرة حسينية النسب
مشهورة بالتقوى والعلم نبغ فيها من نحو مئتي سنة، قضاة شرعيون ونقباء، ومنفلوط
إحدى مدن محافظة اسيوط. نهج المنفلوطى سبيل آبائه في الثقافة والتحق بكتاب القرية
كالعادة المتبعة في البلاد آنذاك فحفظ القرآن الكريم كله وهو في التاسعة من عمره ثم أرسله أبوه إلى
الجامع الازهر بالقاهرة تحت رعاية رفاق له من أهل بلده، فتلقى فيه طوال عشر سنوات
علوم العربية والقرآن الكريم والحديث الشريف والتاريخ والفقه وشيئا من شروحات على
الادب العربي الكلاسيكي، ولا سيما العباسي منه. وفي السنوات الثلاث من إقامته في
الازهر بدأ يستجيب لتتضح نزعاته الأدبية، فأقبل يتزود من كتب التراث في عصره
الذهبي, جامعا إلى دروسه الأزهرية التقليدية قراءة متأملة واعية في دواوين شعراء
المدرسة الشامية (كأبي تمام والبحتري والمتنبي والشريف الرضي ) بالأضافة إلى النثر
كعبد الحميد وابن المقفع وابن خلدون وابن الاثير . كما كان كثير المطالعة في كتب:
الأغاني والعقد الفريد وزهر الآداب, وسواها من آثار العربية الصحيحة. وكان هذا
التحصيل الادبي الجاد، الرفيع المستوى، الأصيل البيان، الغني الثقافة، حريا بنهوض
شاب كالمنفلوطي مرهف الحس والذوق، شديد الرغبة في تحصيل المعرفة.ولم يلبث
المنفلوطي، وهو في مقتبل عمره أن اتصل بالشيخ الامام محمد عبده ، الذي كان إمام عصره في العلم والايمان، فلزم
المنفلوطي حلقته في الازهر، يستمع منه شروحاته العميقة لايات من القرآن الكريم،
ومعاني الإسلام، بعيدا عن التزمت والخرافات والاباطيل والبدع, وقد أتيحت له فرصة
الدراسة على يد الشيخ محمد عبده وبعد وفاة أستاذه رجع المنفلوطى إلى بلده حيث مكث
عامين متفرغا لدراسة كتب الادب القديم فقرأ لابن المقفع والجاحظ والمتنبي وابي
العلاء المعري وكون لنفسه أسلوبا خاصا يعتمد على شعوره وحساسية نفسه.
المنفلوطي من الأدباء الذين كان لطريقتهم
الإنشائية أثر في الجيل الحاضر، كان يميل إلى مطالعة الكتب الأدبية كثيراً، ولزم
الشيخ محمد عبده فأفاد منه. وسجن بسببه ستة أشهر لقصيدة قالها تعريضاً بالخديوي
عباس حلمي وكان على خلاف مع محمد عبده ، ونشر في جريدة المؤيد عدة مقالات تحت عنوان النظرات، وولي أعمالاً
كتابية في وزارة المعارف ووزارة الحقانية وأمانة سر الجمعية التشريعية. ‘‘والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته’’وجزاكم الله منا ومنكم خير الاعمال
أهم كتبه
ورواياته
للمنفلوطى أعمال أدبية كثيرة اختلف فيها
الرأى وتدابر حولها القول وقد بدأت أعمال المنفلوطى تتبدى للناس من خلال ما كان
ينشره في بعض المجلات الإقليمية كمجلة الفلاح والهلال والجامعة والعمدة وغيرها ثم
انتقل إلى أكبر الصحف وهي المؤيد وكتب مقالات بعنوان نظرات جمعت في كتاب تحت نفس
الاسم على ثلاثة أجزاء.
من أهم كتبه ورواياته:
النظرات (ثلاث جزاء). يضم مجموعة من مقالات
في الأدب الاجتماعي، والنقد، والسياسة، والإسلاميات، وأيضاً مجموعة من القصص
القصيرة الموضوعة أو المنقولة، جميعها كانت قد نشرت في جرائد، وقد بدأ كتبات بها
منذ العام 1907.
العبرات. يضم تسع قصص، ثلاثة وضعها المنفلوطي
وهي: ، الحجاب، الهاوية. وواحدة مقتبسة من قصة أمريكية اسمها صراخ القبور، وجعلها
بعنوان: العقاب. وخمس قصص عربها المنفلوطي وهي: الشهداء، الذكرى، الجزاء، الضحية،
الانتقام. وقد طبع في عام 1916.
رواية في سبيل التاج ترجمها
المنفلوطي من الفرنسية وتصرف بها. وهي أساسا مأساة شعرية تمثيلية، كتبها فرانسو
كوبيه أحد أدباء القرن التاسع عشر في فرنسا. وأهداها المنفلوطي لسعد زغلول في
العام 1920 .
رواية بول وفرجيني صاغها المنفلوطي
بعد ترجمته لها من الفرنسية وجعلها بعنوان الفضيلة وتسرد هذه القصة عدة احداث لعل
من أهمها الحب العذري لبول وفرجني لبعضهما جدا والمكافحة في سبيل أن يبقى هذا الحب
خالدا للأبد في قلوبهم الندية. وهي في الأصل للكاتب برناردين دي سان بيير من أدباء
القرن التاسع عشر في فرنسا وكتبت في العام 1788م .
رواية الشاعر هي في الأصل بعنوان
" سيران ودي برجراك " عن الشخصية بنفس الاسم للكاتب الفرنسي ادموند روستان ,وقد نشرت
بالعربية في العام 1921م .
نشر في كتاب العبرات عن رواية غادة
الكاميليا للكاتب الفرنسي الكسندر دوماس الابن وقد ترجم رواية اتالا للروائي الفرنسيالفيكونت
دوشاتوبريان .
كتاب محاضرات المنفلوطي وهي مجموعة
من منظوم ومنثور العرب في حاضرها وماضيها. جمعها بنفسه لطلاب المدارس وقد طبع من
المختارات جزءواحد فقط.
كتاب التراحم وهو عن الرحمة التي هي من أبرز
صفات الله وقد وصف نفسه بأنه الرحمن الرحيم فهذا الموضوع ((لو تراحم الناس ما كان بينهم
جائع ولا عريان ولا مغبون ولا مهضوم ولافقرت العيون من المدامع واطمأنت الجنوب في
المضاجع)).
رواية تحت ظلال الزيزفون صاغها
المنفلوطي بعد أن ترجمها من الفرنسية وجعلها بعنوان مجدولين وهي للكاتب الفرنسي
الفونس كار .
مجدولين أو تحت ظلال الزيزفون: هي قصة حب مؤلمة، القصة هي من
تأليف الكاتب الفرنسي الفونس كار ترجمها إلى العربية الراحل مصطفى لطفي المنفلوطي.
وصدرت عام 1832م .
فحوى الرواية
تدور أحداث القصة في المانيا زمن الموسيقار
السمفوني العالمي الشهير بتهوفن ،بين شاب (استيفن) يتحدر من عائلة غنية وفتاة
قروية (مجدولين)، أما الشاب فقد تخلت عنه عائلته وطردته لأنه لم يتزوج الفتاة التي
إختارها له والده، وأما الفتاة (مجدولين) فهي فتاة قروية وهي وحيدة والدها الذي
كان لا يتوانى عن تلبية جميع رغباتها.
تدور قصة حب طاهرة بين الشاب والفتاة ترك هذا
الحب العذري آثاره على أشجار ومقاعد حديقة المنزل الذي عاش فيه بطلا هذه القصة
وذلك بعد أن إستأجر استيفن غرفة كانت فارغة في الطابق العلوي في منزل والد
مجدولين. وبعد فترة يكتشف والد مجدولين هذاالحب فيخبر استيفن بأن عليه ان يترك
الغرفة وهنا تبدأ معاناة الطرفين، يأخذ كل من مجدولين واستفن عهدا على الاخر بأن
يكافحا لأجل حبهما وأن يبذلا المستحيل لكي يكونا معا، ينتقل استيفن إلى مدينة أخرى
وسرعان ما يلمع نجمه بالموسيقى والعزف، أما مجدولين فتتعرف على شاب كان أحد اصدقاء
استيفن الاعزاء، ولا تزال تتقرب منه محبة باستيفن حتى يقع في هواها وهنا تبدأ
الضغوط من صديقتها ووالدها للزواج منه كونه ابن عائلة غنية وعريقة.
في
هذه الأثناء يعود استيفن إلى حبيبته ليخبرها بأنه استطاع أخيرا أن يبني لها البيت
ذو الغرفة الزرقاء التي لطالما حلما بها ولكنه يجدها على اعتاب الزواج من أحد أعز
اصدقائه الذي كان قد قاسمه في يوم من الايام قطعة الخبز، يصعق استيفن لهول الخبر
ويهيم على وجهه حتى تثقل كاهله الالام والامراض فيغدو طريح الفراش، تتحسن حاله
تدريجيا بفضل صديق له ويحاول أن ينسى مجدولين فيعكف على الموسيقى والتلحين حتى
يغدو من أشهر نجوم ألمانيا في وقتها. تتطور الأحداث بشكل سريع فتفقد مجدولين زوجها
وأعز صاحباتها ولا يبقى لها ولرضيعتها سوى استيفن الذي يحمل لها بين جوانحه حبا
جما لطالما حاول أن يتناساه، تلجأ اليه فيفتح لها ذراعيه ولكنه يستذكر كيف أنها
تركته وتزوجت صاحبه فينهرها لشدة احساسه بالغدر وفي اليوم التالي تنتحر مجدولين
غرقا في البحيرة القريبة من منزل استيفن وتبوء محاولات استفن لانقاذها بالفشل
فتسود الدنيا في عينيه وتلاحقه عقدة الذنب بأنه السبب في موت حبيبته فلا يزال على
حاله من الهم والحزن حتى يلحق بها، ويوصي بأن ترث ابنة مجدولين كل ما يملك، وهكذا
تنتهي هذه القصة التي تحمل الكثير من الصور الرائعة والاحاسيس المرهفة.
أطواره
كان مصطفى المنفلوطى ذكى بطبيعته يميل في
نظرياته إلى التشاؤم، فلا يرى في الحياة إلا صفحاتها السوداء، فما الحياة بنظره
إلا دموع وشقاء، وكتب قطعة (الأربعون) حين بلغ الأربعين من عمرة، وقد تشائم فيها
من هذا الموقف، وكأنه ينظر بعين الغيب إلى أجله القريب. وهذا التشاؤم كان بسبب
واقع الأمة العربية.
وفاته
أصيب بشلل بسيط قبل وفاته بشهرين، فثقل
لسانه منه عدة أيام، فأخفى نبأه عن أصدقائه، ولم يجاهر بألمه، ولم يدع طبيبًا
لعيادته، لأنه كان لا يثق بالأطباء، ورأيه فيهم أنهم جميعًا لا يصيبون نوع المرض،
ولا يتقنون وصف الدواء، ولع مهبول مريص، كان يأنس في منزله إلى إخوانه ويسامرهم
ويسامرونه، وكان يفد إليه بعض أخصائه وأصدقائه من الأدباء والموسيقيين والسياسيين،
حتى إذا قضى سهرته معهم انصرفوا إلى بيوتهم ومخادعهم، وانصرف هو إلى مكتبه فيبدأ
عمله الأدبي في نحو الساعة الواحدة بعد نصف الليل.
في نحو الساعة الثانية عشرة من تلك الليلة
انصرف أصدقاؤه كعادتهم وانصرف هو إلى مكتبه، ولكنه ما كاد يمكث طويلاً حتى أحس
بتعب أعصابه وشعر بضيق في تنفسه، فأوى إلى فراشه ونام، ولكن ضيق التنفس أرقه، كتب
عليه أن يختم بالتأوه والأنين، كما عاش متأوهًا من مآسي الحياة ساجعًا بالأنين
والزفرات، وأدار وجهه إلى الحائط وكان صبح عيد الأضحى قد أشرقت شمسه ودبت اليقظة
في الأحياء، فدب الموت في جسمه في سكون وارتفعت روحه مطمئنة إلى السماء بعدما عانت
آلامها على الأرض سنة 1924 م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق