الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

جمالية فن العمارة في كربلاء














الاديب الباحث: علي الخفاف



     يشترك الانسان في مختلف انحاء العالم ، في صفات عامة نابعة من انسانيته الفطرية ، من حيث الملكات والاستعداد . غير ان اختلاف البيئة من مكان الى آخر ، وتعدد الوان الطبيعة ، سواء في طبيعة السماء او في تشكيل وجه الارض ، من وديان وجبال ، وانهار وبحار ، وصحراء وغابات ، وطيور وحيوانات ، او في اختلاف الاجواء ، وتكوين الجليد وسقوط الامطار ، وما يصحب ذلك من رطوبة وحرارة او برودة . كان ذلك كله سببا في اختلاف وتعدد الحالات والتقاليد ونظم الحياة في كل جماعة من الجماعات . ونشأ تبعا لذلك ما نراه من اختلاف واضح بين الاجناس ، في الشكل والملامح والسلوك واللغات والثقافات .

       اسلوب الفن الجمالي في العمارة :

       من هذا نفهم ، ان اسلوب الفن الجمالي لاسيما التشكيلي من عمارة وغيرها في كل بقعة من بقاع العالم ، ينبع اصلا من عوامل رئيسية هي (طبيعة الانسان وعاداته وتقاليده) ، الى جانب صلته بجو المنطقة التي يعيش فيها ، وبالاضافة الى انواع المواد الطبيعية المتاحة بالبلاد .
       وفي اعقاب الحروب الكونية الاخيرة على العراق ، لم تباشر الهيئات التخطيطية العمرانية عملها على الوجه المطلوب ، مما نتج عن ذلك تراكمات تقصيرية متعمدة . وبالتالي فان النتيجة واضحة على حساب الجماليات المعمارية ، وعدم التوحد الكامل للمدينة العراقية ، حتى اصبح من العسير تصحيح ما نشأ عن ذلك من اخطاء ، نظرا لباهظ التكاليف . ونتج عن ذلك كله الاخلال بالقيم الجمالية في المنظور العام للمدينة العراقية .

       كربلاء .. ومشكلة التخطيط العمراني

        وعلى الرغم من التشوهات الحاصلة  في مباني مدينة كربلاء ، لصق الاعلانات الرخيصة المبتذلة على واجهاتها ، ولوحات الاعلانات الكبيرة التي تنتشر على جوانب الشوارع والميادين والحدائق ، وتتسلق الاعمدة والجدران حتى تستقر فوق اسطحها ، ناهيك عن الازعاجات السكانية المتسببة من ازدحامات الابراج والمولدات التي غزت مدننا الهادئة الغافية . بالاضافة الى الحواجز الكونكريتية واقواس المفارز المقامة على التقاطعات والشوارع الرئيسية ، والاكشاك الخشبية والجملونات المعدنية المشوهة ، التي تعترض المارة على الارصفة ، واحتكار الارصفة من قبل المحال والباعة المتجولين او شبه المتجولين مفترشين الارض من حولهم صناديق المأكولات والمشروبات ، والعديد من الكتب والمطبوعات الرخيصة . كلها وسائل تتعارض مع فنون الجمال وتحطم الروحية الثقافية والحضارية للمدينة . ناهيك عن الشلل شبه التام الذي اصاب دائرة التخطيط العمراني لاسيما في فترة التحول بعد سنة 2003 حيث تحولت البساتين والمزارع بعد تعرضها للابادة الى احياء سكنية تشبه الى حد ما الحارات القديمة التي انشأت عفويا وبعيدة عن التخطيطات العمرانية .
       والخطر الاكبر هو ما يهدد اطفالنا وشبابنا الذين يعيشون وسط هذا الجو القاتم من القبح والتنافر ، واصوات المولدات الكهربائية التي تضاهي في ازعاجها محركات الطائرات المروحية القديمة ، كل هذه القائمة الاطول في العالم ، وما تعكسه صورها المؤذية على احساساتهم النامية مما يعوق ترقية اذواقهم ، وغرس مباديء الفن والجمال في قلوبهم .
      ومن هذا كله تتضح الحاجة الى انشاء هيئة فنية عليا ، لتشكل بدورها معالجة هذا الواقع المزري ، يكون لها وحدها حق اعتماد تنفيذ المشروعات الهامة بالمدينة ، وعلى وجه الخصوص ما يقام بالمداخل الرئيسية فيها ، والميادين العامة ، وغير ذلك من المواقع الحساسة مثل المناطق السياحية والاثرية .
       وتخطيط المدينة له علاقة وثيقة بفن العمارة . فالتصميم المعماري يعني بدراسة تحقيق المبنى لوظيفته ، وملائمته لطبيعة المناخ والبيئة . وان تشمل الدراسات الناحية البصرية ، والعناية بالمنظور العام فيها .
      وللسياحة كذلك ارتباط كبير بالتخطيط والآثار . والعراق يحظى بحجم كبير من الآثار لاسيما محافظة كربلاء ، تشمل اكبر حلقة من الأجيال المتعاقبة في تاريخ الحضارة ، ولا ينقصها غير العناية بتنسيقها وتجهيزها ، وتعبيد طرق الوصول اليها لتسهيل زيارتها ، والتخلية حولها لابراز محاسنها ، والاهتمام كذلك باقامة واعادة ما دمرته الحروب التي استهدفت الاخضر واليابس بوحشية منقطعة النظير . واقامة الفنادق السياحية المريحة بالقرب منها للترغيب في زيارتها . وتوفير كل ما يتعلق براحة الزائرين وامانهم ورفاهيتهم ، هذا بالاضافة الى ضرورة الاهتمام بانشاء المتاحف الواسعة والمسارح الاستعراضية للفنون الشعبية الفولكلورية ، وبذلك تستفيد البلدة اقتصاديا واعلاميا وترفيهيا وجماليا .
      ولا زالت بعض الخرائب القائمة في محلات المدينة القديمة ، تستعرض النمط المعماري القديم ، وتوحي قبابها الفريدة بزخارفها النادرة الخشبية والحجرية ، روائع التكوين والجمال ، تتجلى فيها براعة التصميم الهندي والفارسي والتركي ، وتتدرج الزخارف الدقيقة المكونة من اشكال هندسية او نباتية . وتفتقر هي الاخرى الى تخليصها من الخرائب المنتشرة حولها ، واعادة تخطيط المنطقة بأكملها ، والاستفادة من دراسة فنها المعماري الاصيل .
      والعمارة كانت ولا تزال ميدانا رحبا للتفاعل مع الفنون التطبيقية والزخرفة وفنون النحت والتصوير . وتشهد الامثلة العديدة في مختلف العصور بالدور الكبير الذي يلعبه هذا الائتلاف . ويمكن اتاحة الفرصة لأفراد الشعب في حياتهم اليومية لمشاهدة اللوحات الفنية والتماثيل التي تعبر عن مختلف الموضوعات ، وذلك بتنفيذها في مداخل المباني العامة ، او على طول ردهاتها وقاعاتها الكبيرة ، او ادماجها في تخطيط الحدائق المحيطة بها ، فيعمل ذلك كله على تنمية التذوق الفني لدى المواطنين ، وتغذية مواهبهم ، وغرس حب الجمال في نفوسهم . ويتحقق ذلك عن طريق استصدار تشريع برصد نسبة مئوية من تكاليف المباني ، تخصص للانفاق منها على اعمال الفنون التشكيلية التي يمكن ادخالها ضمن تصميمات المنشآت العامة .
      واخيرا ، ماذا في وسعنا كي نغرس حب الجمال في نفوس الناس ؟ وهل في ثنايا الرجولة الفضة شجاعة كافية لتحيل الاشواك الى زهور ، والنحل البخيل ان يجهد في سعيه لأنتقاء الرحيق الثمين ؟

     

                                     الباحث : علي الخفاف 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق