قراءة في نصب الحرية
الفكرة :
طلب
الزعيم عبد الكريم قاسم من رفعت الجادرچي تصميم نصب او رمز يرمز الى ثورة 14تموز
فذهب رفعت واطال التفكير فيما يختار,اي شئ سيكون ذالك النصب او الرمز! فبغداد كلها
مظاهرات تأييد ورفع صور الزعيم واللافتات البيضاء والملونة تأييدا للثورة . لقد
وجدتها انها اللافتة !! اللافتة ستكون عنوان ذلك الرمز , واستُدعي جواد سليم إلى
مقابلة عبدالكريم قاسم للاستماع إلى توجيهاته قبل البدء بالتصميم .
وخرج من
المقابلة شديد الارتياح والإعجاب بشخصية قاسم، لكنه تأكد أن الرجل ليس رجل سياسة،
وأنه سيجد صعوبة في التعامل مع أهلها. وخلافاً لما أشيع، توضح لورنا ( زوجة جواد
سليم ) أن عبدالكريم قاسم لم يطلب من جواد أن يضع صورته وسط الجدارية، كما زعم
بعضهم. لكن بعض المنافقين المحيطين بقاسم اقترحوا عليه أن توضع صورته في قلب الشمس
السومرية التي تتوسط النصب. ويبدو أنه لم يخضع للاقتراح بدليل أن الصورة لم توضع
في النهاية.
هكذا خرجت الفكرة الاساسية اتفق مع النحات جواد سليم على وضع اللمسات الاولية لهذا النصب وفي المعهد تم وضع النموذج الاولي الصغير…
هكذا خرجت الفكرة الاساسية اتفق مع النحات جواد سليم على وضع اللمسات الاولية لهذا النصب وفي المعهد تم وضع النموذج الاولي الصغير…
واحتار المصمم رفعت الجادرجي والنحات
جواد سليم على ماسيكتب في اللافتة وتوصلوا بعد اقناع على وضع رموز قديمة وصور الام
التي تحتضن ابنها الشهيد والكادح والجندي والثور من الرموز البابلية والاشورية
واتفقا الاثنان على ان يكون العدد 14 قطعة دلالة على يوم 14 تموز وقد اعتمد النحات
يوم رأى الجماهير الغاضبة وهي تسحب بالحبال تمثالين للملك فيصل الاول والجنرال مود
بالكرخ شموخ الحصان وارتفاع انفه متحديا ملامسة الارض , أخذت الفكرة أن يكون
الحصان أول من سيكون بتلك اللافتة العملاقة ( النصب الضخم ) وذلك دلالة على
الفـَرس العربي قديما وحديثا ،العراق معروفا قديما وحديثا عرفت الكتابات المسمارية
فيها وبقيت شواهد على ذلك الاثر كما بقيت أثار بابل والنمرود وعشتار وسومر واكد
وزقورة عقرقوف ومدينة بغداد المدورة وازالة اثار السور من حولها ولم يبقى سوى
القليل كملوية سامراء وبعض القبور شواهد على مر العصور بالعراق التي كانت موضع
صراعات وحروب واقتتال ايام الرومانيين والفرس و بين الامويين والعباسيين وبين
العثمانيين والصفويين لقرونا عديدة والانكليز واكتشاف البترول والصراعات السياسية
بين الاحزاب العراقية أيام الملكية والعسكر وليومنا هذا , فهو حاضن نهري دجلة
والفرات كما رمز لهما بالنصب التذكاري جواد سليم وفيه الخيرات الزراعية والصناعة
كما في نهايات الرمز لفلاحين بلباسين مختلفين دلالة على تأخي العراقيين .
أما المنجم الفلكي ثابت الالوسي فقد اراد من خلال ظهوره عدة مرات بالتلفزيون ان ينال من نصب الحرية بأدعائاته بأن هناك نقطة سحرية سوداء في ذلك النصب ويجب أن تزال أو تنسف لأنها السبب في ويلات العراق , والمعروف أن ثابت الالوسي تدفعه شخصيات أحدى الدول العربية المتزلفة و تروج له متقصدا بذلك تخريب معلم جميل وسياحي بالعراق من اعمال الفنان الراحل جواد سليم التي لم يبقى للعراق شيئا كنصب الحرية شامخا بعد أن أزال واستبدل الرئيس السابق صدام حسين بعضا من رموز ثورة 14 تموز مثل :
الجندي
المجهول :
ذلك الرمز الثماني الذي يرمز للام وهي
منحنية ترفع ابنها من الارض وقد غرست يداها وارجلها بالارض العراقية وكدلالة على
الابن المجهول رمز له بنار مشتعلة لن تنطفئ منيرة ليل ساحة الفردوس .
البركة
المائية :
في حديقة الامة (حديقة غازي سابقا ) التي ترمز
الى قدم الرجل وهي قد غصت في الارض وملئت بالمياه ومعناها بأن العراقي مكانه الارض
هنا وهذه طبعة قدم رجله شاهدة للعيان , بأوامر من سمير الشيخلي الموظف في امانة
العاصمة (قبل أن يصبح أمينا للعاصمة) ملئت البركة المائية بالتراب وسويت مع الارض .
تمثال الأم :
ونقل بعد ذلك تمثال الام ايضا من حديقة
الامة للزوراء وفي الحرب العراقية الايرانية اقيمت نافورات مائية تحت نصب الحرية
مباشرة, الا أن بعض العاملين بأمانة العاصمة اوقفوا عمل النافورات التي تؤثر سلبا
على رخاوة الارض مما يسبب انهيارالنصب بالكامل .
حاول جواد سليم أن يهرب احد منحوتاته الى
لندن (السجين السياسي) و وسط 3500 مشاركة عالمية فازت بالمرتبة السادسة عالميا
والمرتبة الاولى عربيا عام 1953 …
العرض :
تواجه
الزائر
لمدينة
بغداد
عاصمة
العراق
لوحة
جدارية
ضخمة
معلقة
تنتصب
شاهقة
في
اكبر
ميادين
بغداد
" ساحة
التحرير
". وهي
الساحة
التي
تلتقي
فيها
ستة
شوارع
كبيرة
علاوة
على
" جسر
التحرير
" او
" جسر
الجمهوري
" المؤدي
الى
المنطقة
الخضراء
مباشرة
0 واهم
واكبر
جسر
على
نهر
دجلة
0
يبلغ
طول هذه
اللوحة خمسون
مترا وارتفاعها
عشرة امتار
وهي تعلو
عن الارض
ستة امتار
0 فيها الكثير
من اسرار
الجما ل
، وخبرة
نادرة في
مهارة وحذقة
الفن 0
قبل الخوض في تفاصيل هذه الملحمة الفنية ، أود استذكار
القاريء العزيز بنبذة مختصرة عن حقبة تاريخية ما قبل الثورة :
في عام
1914م وصلت القوات البريطانية البصرة واستكملت احتلالها للولايات الثلاث بغداد
والموصل والبصرة عام 1918 حيث اصبح العراق بحدوده من زاخو الى الفاو ، قطرا سياسيا
خاضعا لحكم عسكري بريطاني مباشر رفضه الشعب وعبر عن هذا الرفض بثورة 1920 التي
اجبرت الحكام الانكليز على تشكيل حكومة عراقية مؤقتة .
وفي عام
1921 تأسست المملكة العراقية الحديثة واختير فيصل بن الحسين ليكون ملكا على العراق
الذي وضع تحت الانتداب البريطاني واستمر حكم الانتداب الى عام 1932 حين دخل العراق
عضوا في عصبة الامم واصبح دولة مستقلة قانونيا ولكن بريطانيا فرضت عليه معاهدة
1930 التي ابقت على نفوذها السياسي والاقتصادي في العراق وبشكل يضمن مصالحها
الاستعمارية واستمر ذلك حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 .
الا ان
فترة الحكم الملكي هذه شهدت صراعا مستمرا بين الانكليز واعوانهم من بعض رجال الطبقة
الحاكمة العراقية وبين الشعب وقواه الوطنية الذي كان يرفض المساومة على حقه في
الحياة الحرة المستقلة ، وقد ظهر هذا الصراع واضحا في ثورة مايس 1941 وفي
الانتفاضات والحركات الوطنية في 1948 ، 1952 ، 1956 التي برهنت على رفض الشعب
العراقي للنظام السياسي الخاضع لمشيئة الاجنبي وعلى كونه شعبا حيا يطمح لتحقيق
حياة سياسية حرة واقتصادية مرفهة واجتماعية متطورة وكان دائما قوي العزيمة عظيم
الثقة بالمستقبل المشرق .
وهكذا قد
وصل الحال الى ان عمد النظام الى استعمال البطش في مجابهة الشعب العراقي المطالب
بحقوقه المشروعة ورغم كل ذلك فقد اجبر النظام على اجراء العديد من التنازلات في
محاولات يائسة للتخفيف من نقمة الشعب واصراره وادت في النهاية الى ان يحقق الشعب
ما كان يطمح اليه في تحطيم النظام الملكي وتأسيس النظام الجمهوري .
واخيرا ،
وبالتعاون بين الاتحاد الوطني مع تنظيم الضباط الاحرار تم اسقاط النظام الملكي .
وكانت هذه الثورة نتيجة حتمية لنضال الشعب العراقي وما كان يعانيه . فبقيام الثورة
وقيام النظام الجمهوري والغاء الاحلاف والمعاهدات الجائرة تحدد نوع النظام السياسي
الذي كان يطمح الشعب العراقي لتحقيقه وناضل من اجله سنوات طويلة .
بعد
ثورة 14 تموز
1958 م في العراق بأشهر قليلة ،
طالبت الدولة
برعاية الفن
والفنانين ،
وكلفت الفنان
الكبير جواد
سليم ، ان
يصمم نصبا
رمزيا لهذه
الثورة ويمثل
ملحمتها التاريخية التي حولت العراق من حكمه الملكي الى الجمهوري الوطني ، وان
يقام في
ساحة تعد من اكبر ساحات
بغداد والتي تسمى اليوم (ساحة التحرير ) تيمنا
بهذه الملحمة ، فوضع
هذا الفنان
القدير شرطا
واحدا هو
ان يكون
له مطلق
الحرية في
التعبير ،
وان يصوغه
بالشكل الذي
يريده ،
وتتفق عليه
الدولة 0 فاستجمع
كل خبراته
واعاد صياغة
الموضوعات المحببة
لنفسه بما
في ذلك
موضوع ( الأمومة
) وضمن نحته
الصرحي ملخصا
وافيا لأروع
اعماله الفنية .
يتكون
نصب الحرية
من (اربع
عشرة مجموعة
نحتية) وهي حسب التسلسل
التالي :
ابتداءا من اقصى اليمين ( الحصان ، رواد
الثورات ، الطفل ، الباكية ، الشهيد ، الأم والطفل ، المفكر السجين ، الجندي ،
الحرية ، السلام ، دجلة والفرات ، الزراعة ، الثور ، الصناعة ) .هذه هي مكونان
المجموعة النحتية الكاملة ، التي تشكل التكوين العام للصرح التذكاري .
نفذها
الفنان واتم سبكها
في فلورنسا
، وهي
تحكي قصة
ثورة شعبه
كما يراها
هو باسلوبه
الخاص الواضح
0والبعيد عن التجريد ، ولكن به جرأته ويتقرب من الواقع دون ان يلتزم به . فهو
اقرب الى
الملحمة الاسطورية
منه الى
الحكاية الساذجة
، تذكرنا بلوحة بيكاسو الشهيرة (جورنيكا) -
التي خلد بها بيكاسو تلك القرية الاسبانية التي سحقتها وازالتها من الوجود قنابل
الطائرات الايطالية والالمانية الفاشية - ولكنها لا تسير على منوالها .ان هذه
الملحمة هي قصة الشعب
العراقي المتميز
، الذي
اعتاد مجبرا ان يثور مرة
ويهدأ مرة
اخرى 00
ماذا
نعرف عن
نصب ملحمة
الحرية ،
او كيف
نقرأ قصة
شعب من
خلال هذا
الصرح ؟ لكي
نفهم ذلك
علينا اتباع
قراءته الرمزية
التالية :
نقسم المكون العام الى جزئين ، (اجزاء
التماثيل العنيفة و اجزاء التماثيل الهادئة ) :
اولا : الاجزاء العنيفة :
المجموعة الاولى (مجموعة الحصان ) :
يبدأ
بالحصان في
اقصى اليمين
، والحصان كما هو معروف يعتبر مادة حضارية عربية هو و(التمرة ، والجمل ، والسيف ،
والجمرة) ، وعزة الصحراء ، واداة الانسان فيما سجله من بطولات وامجاد ، او مصائب
ومآس كانت جميعها بمثابة رمز ومثل وامثولة الاجيال العربية . فيكون للجواد الجامح
في اول النصب دلالات واشارات متداخلة ، منها ما يوميء الى التراث بمعنى في اصالة
الجواد العربي واثره في حياة الانسان العربي وادبه وتاريخ حروبه ( لقد عثر في
الجزيرة العربية على آثار قديمة غير قليلة ومن بينها صخور حفرت عليها مشاهد لفرسان
على ظهور افراسهم التي تدل اشكالها بوضوح تام على عربيتها كالذنب المرتفع المنبت
والرأس الصغير الجميل والرقبة المقوسة - الليدي وينتورت ) , ومنها اشارة في الحركة
تعبيرا عن التململ الثوري والامل .
وكتلك ايضا دلالات الثور في آخر النصب فهو
رمز للخصب واليمن والاستقرار بوقفته الثابتة الى جانب كونه احد اوجه حياتنا
القروية وغناها ، ويشكل رمزا حضاريا واسطوريا ، يذكرنا بقصة بطولة قلقامش وانتصاره
على على الثور الوحشي خمبابا .
وقد يكون فيه ايضا بعض الدلالة الرمزية
من ثور (بيكاسو) في (الغورنيكا) والذي يرى (فير مجييه) في جموده وثباته وتحديه
وانتصاب شكله تعبيرا موفقا عن ( شجاعة الشعب الاسباني وبأسه) .. كل ذلك عبر قراءة
تشخيصية توحي بالقراءة العربية التي تبدأ من اليمين الى اليسار وتتحول كل صورة في
النصب الى مقطع كلامي في جملة متكاملة في (الذي كنا ) و (الذي صرنا اليه) و (الذي
نرغب في ان نكونه ) ضمن مفهوم زمني في التدرج من الماضي الى المستقبل استطاع جواد
سليم به ان يستلف من لغة في القراءة العربية لغة في القراءة التجسيدية يشير فيها
بذكاء الى كيفية طرحها بعدا جديدا في التعامل مع التراث بمنحى لا يأخذ نفسه
بالمباشرة السطحية في ذلك التعامل .
حيث
يبدو الحصان
هائجا يحاول
التملص من
الرجال الثلاثة
الذين تشبثوا
به 0 والفنان
هنا يسجل
مشهدا حفر
في ذاكرته
، رآه
صباح 14 يوليو
\ تموز 1958 عندما
تجمعت المظاهرات
في بغداد
حول تمثال
الجنرال مود
راكبا جواده
( كان مقاما
خارج السفارة
البريطانية ) 00 وتمثال
الملك فيصل
على حصانه
( قرب دار
الاذاعة ) 0 واقتلعت
الجماهير الثائرة
التمثالين وحطمتهما
0فصور الفنان
هذا المشهد
حيث الرجال
الاربعة يمثلون
المتظاهرين 0 ثلاثة
يحاولون اسقاط
الحصان بينما
يرفع الرابع
يديه يهم
بنشر لافتة
تعلن بدء
الثورة 0
المجموعة الثانية (رواد
الثورات) :
فتمثل
(رواد الثورات
) الذين رفعوا
ايديهم بالاحتجاج
على كل
اشكال الظلم
منذ الثورات
الفرنسية حتى
ثورة العراق
ويمثلهم رجل
وامرأة في
حركة عنيفة
0 فهو يذكرنا بالثورات المستمرة على امتداد الزمن الماضي والحاضر والمستقبل .
المجموعة الثالثة (الطفل):
يمثل بداية حياة جديدة في العراق .
المجموعة
الرابعة ( الباكية ) :
تأتي
بعد ذلك
الباكية في
وقفة يعرفها
العراقيون عندما
تحدث نكبة
او كارثة
0 فان التقاليد
والعادات الشعبية
تجعل المرأة
العراقية ترفع
عباءتها وتلف
بها رقبتها
ونصفها الاعلى
من جسدها او تكشف ثدييها ثم
تندب وتصيح
وتولول على ابنها الشهيد 0 لقد سجل الفنان جواد سليم هذا التقليد الشعبي العراقي
واجاد فيه وابدع .
ان
هذا التمثال
بداية لمجموعة
تتناول كلها
(اضطهاد الثوار)
، ولكن
الفنان ثبت
تمثالا ( رابعا)
قبل هذه
المجموعة هو
( تمثال الطفل
) كما ثبت
في نهايتها
( تمثال الامومة
) ليؤكد فكرة
ان الثورة
تتولد بلا
انقطاع جيلا
بعد جيل
مهما اصاب
الثوار من
اضطهاد 0
المجموعة الخامسة (الشهيد)
:
بعد
الباكية نجد
( مجموعة الشهيد
) الام تحضنه
وتبكي عليه
ومن حولها
النساء المعزيات
والنادبات والنائحات
، وهي
تذكرنا بالنساء
السومريات ،
ومن منا لم يعرف زنوبيا ملكة تدمر ودورها الكبير في مقاتلة الروم ، وسمية ام عمار
بن ياسر وهي من اول شهداء الاسلام . ومن منا من لا يذكر دور خولة بنت الازور في
معركة اليرموك ... وهل في وسع المرء الا ان يجل موقف البطولة الذي سطرته كل من هدى
شعراوي وصفية زغلول (زوجة سعد زغلول) في ثورة (1919) في مصر العروبة ، اضافة الى
موقف الصمود والتحدي الذي جسدته المرأة العربية في شخصية جميلة بو حيرد بطلة بلد
المليون شهيد وكثيرات لا يتسع المجال لذكرهن ..
وقد
جسد جواد المرأة (الأم) وهي مشحونة
بتعبير مأساوي
عنيف 00 لذا
عاد الفنان
في المجموعة
السادسة ليقدم
منحوتة الامومة
وليعيد التوازن
الى عين
المشاهد ويحيي
الامل في
نفسه بعد
تأمل فجيعة
الام في
ابنها الشهيد
، وهي تذكرنا باسطورة
الخنساء (عاشقة المجد) تماضر بنت عمر بن الحارث بن الشريد ، ان لقبها واسمها
يعكسان كل معاني الشجاعة والاقدام والصبر والتحمل في الجاهلية والاسلام . وقصتها
معروفة في حضورها معركة القادسية مع بنوها الاربعة
واستشهادهم واحدا بعد الاخر . وهكذا كان
للخنساء المرأة الام والكهلة الشابة دورها الفريد في تفاني اولادها من اجل الحصول
على احدى الحسنيين (النصر والشهادة) . ويستوقفنا هنا امر حير الكتاب والفنانون،
وهو صمود الخنساء رمز المرأة العربية في صبرها وعدم جزعها او بكائها رغم فداحة
الخطب وعظم الكارثة التي اودت بأولادها الاربعة ، علما انها ملأت الكون انينا على
اخويها صخرا ومعاوية اللذين قتلا قبل الاسلام ، فما هو سبب هذا الموقف المتناقض يا
ترى ؟
المجموعة السادسة ( الطفل والامومة ) :
وحتى تكون
( الامومة ) و
( الطفل ) على
جانبي الام
الثكلى وام
الشهيد وقفتين
متفائلتين قبل
الوصول الى
منتصف اللوحة
وبؤرتها التي
تبدأ بالمجموعة
السابعة للسجين
السياسي 0
المجموعة السابعة (
السجين السياسي ) :
وهي القسم الاوسط من صرح الحرية ، وهو
الجزء الوحيد الذي وضع جواد سليم تصميمه كاملا مجسما قبل البدء في التنفيذ ، ويضم
مجموعات (السجين السياسي) و (الثورة) و (الحرية) ثم (قرص الشمس) في اعلى التصميم .
وهنا
تتداخل القضبان
مع الرجل
المفكر وهو
يطلق افكاره
من خلف
القضبان فينفذ منها معبرا عن فكرة عدم جدوى مصادرة حرية الفكر00
ومن الطريف
ان نعرف
قصد الفنان
بهذا التمثال
0 فقد قصد
به المفكر
" كامل الجادرجي
" الذي افرج
عنه صباح
14 يوليو /تموز
1958 بعد اعتقاله
عدة اشهر
0
نجد هنا في تخطيطات الفنان جواد ، لاسيما (السجين السياسي) ، الترابط محكما
بين (الخط) او (التخطيط) وبين المصغر الذي نفذه هذا الفنان لفكرة غير واضحة
المعالم في حينها .. واعتقد ان عبقرية جواد سليم تجاوزت مداها ، لتحيلنا الى ضرب
من الاجتهاد الذهني الخالص ، والمنطقي على صعيد الفن .. ان الفنان يكشف في هذه
التخطيطات او (المصغرات) او التمرينات الفنية عن الجانب العقلاني للعمل الفني ،
محاولا قدر الامكان التخلص من الزوائد .. وهنا تفصح عبقرية سليم عن مداها غير
المحدود ، وغير المكرر ، والذي علينا ان ندرسه ، ضمن مرحلته ورفاقه الرواد الكبار
الذين عاصروه .
المجموعة الثامنة (الجندي) :
وترتبط
مجموعة السجين
السياسي بتمثال
" الثورة
" التي عبر
عنها بجندي
يقفز قفزة
جبارة بعضلات
مفتولة تحطم
قضبان السجن
ويدوس بقدمه
ترس الشر
0 ويفتح الطريق
لتمثال الحرية
المجموعة التاسعة (الحرية) :
التي
تبدو في
شكل امرأة
تحمل المشعل
عاليا 0 وعندما
سئل جواد
سليم 0 لماذا
لم يجعل
لها قدمين
، قال
: " ان القدمين
تلصقانها بالارض
، وانا
اريدها ان
تحلق عاليا
" 0
ثانيا : اجزاء التماثيل الهادئة :
بهذا
الجزء من
التماثيل المنفرزة
تنتهي الاجزاء
العنيفة الحركة
لتبدأ التماثيل
الهادئة حيث
تؤدي الثورة
الى السلام
0
المجموعة العاشرة (السلام) :
ويصوره
الفنان على
شكل مرأة
جالسة تمد
يديها بالخير
وكأنها تصلي
بينما تنبت
من جسدها
وملابسها اغصان
شجرة الزيتون المباركة وتحط
على كتفيها
حمامتان 0
مجموعة القسم الحادي عشر ( دجلة والفرات
والخير ):
وفي هذه
المجموعة يعبر
الفنان عن
دجلة والفرات
بامرأة ،
وبينهما صبية
تحمل على
رأسها خيرات
الارض وهي
ترمز الى
روافد دجلة
والفرات 0
المجموعات الثلاث الاخيرة (مجموعة
الزراعة) و(الثور) و (الصناعة) :
تعبر
عن (الازدهار
الفكري والزراعي
والصناعي) بعد
استقرار الثورة
0استخدم في
التعبير عنها
فلاحان يقفان
متماسكان يرمزان(
للعرب والاكراد)
رأسهما على
النمط الاشوري
، وخلفهما
(الثور خمبابا) احد
رموز العراق
الاسطورية ،
ثم الصناعة
حيث يختتم
الفنان عناصر
نصب الحرية
ب (العامل ) ممسكا
مطرقته 0 وتترابط
هذه المجموعات
النحتية بتمثال
للثائر (المفكر)
الذي تحققت
الثورة بكفاحه.
وهكذا ، توصف ملاحم حرية الأمة العربية بل ملاحم جميع الأمم التي تنطبق
عليها نفس رموز هذه الملحمة التي يسطرها الانسان الذي يحمل هموم القهر والاضطهاد
والاستغلال والحكومات الانتهازية المستعمرة .
نبذة عن حياة الفنان جواد سليم :
يعتبر جواد سليم من رواد الفن التشكيلي العربي ، ورائد
التخطيط والنحت العراقي الحديث . انه فنان العراق الرائد الراحل ، صاحب هذه اللوحة
ومنفذها ، يجبرنا بها على احترامه وتقديس جهده قبل ان نتعرف على ما تتضمنه لوحته
الضخمة من رموز او دلالات .
- ولد جواد سليم سنة 1919 في انقرة .
- والده
الحاج سليم الموصلي رساما استطاع ان يسجل الواقع العراقي .
- أخوه
الاكبر نزار سليم مصور ورسام .
- أختهما
نزيهة سليم استاذة في الزخرفة وتتوسط الاخوين في العمر .
- سافر جواد
الى باريس في بعثة فنية بعد ان ظهرت مواهبه خلال مرحلتي الدراسة الابتدائية والثانوية
وكان عمره تسعة عشر عاما .
- بعد حوالي
عام من سفره هذا ، اندلعت الحرب العالمية الثانية فاضطر الى الانتقال من باريس الى
روما سنة 1939 وظل بها سنة اخرى الى ان دخلت ايطاليا الحرب فعاد الى بغداد ليعمل
مدرسا لفن النحت بمعهد الفنون الجميلة ويشتغل مرمما للاثار الاشورية والسومرية
بالمتحف العراقي .
- في عام
1941 اكتشف جواد فن التصوير في العصر العباسي عندما عثر عند زميله الفنان عطا صبري
على عدد محدود من الصور ويعود تاريخها الى اكثر من 700 سنة مضت . وكان هذا
الاكتشاف مثار اهتمام بالغ بالفن الاسلامي في العراق نحثا وتنقيبا عن هذا التراث .
- من
العوامل التي شكلت فن جواد سليم بعد تراث حضارة العراق القديمة ومنحوتاتها الضخمة
، فهو الظرف الخاص بالعراق . ففي خلال الحرب العالمية الثانية استضاف الحلفاء في
العراق عددا من اللاجئين البولنديين الهاربين من الاحتلال الروسي والالماني
لبلادهم ، وفي العراق كونوا فرقة في جيوش الحلفاء . وكانت معسكراتهم في بغداد .
هؤلاء
البولنديون كانوا يضمون عددا من الفنانين الذين اتصلوا بالحركة التشكيلية العراقية
واثروا فيها تاثيرا بالغا . وكان استاذهم وكبير جماعتهم قد تعلم الرسم على يدي
الفنان الفرنسي (بير بونار) احد اعمدة الحركة اللونية للرسم . وقد احتك جواد
بثلاثة من هؤلاء الفنانين (جابسكي)و (ماتوشات) و(جوزيف باريما) .
- والعامل
الاخير هو احتكاك جواد بالمصورين والمثالين الاوروبيين ، الفرنسيين والايطاليين
والانجليز ، الاانه حرص على الا يتأثر بالفنون الاغريقية والرومانية ويتمسك بطابعه
القومي الخاص وشخصيته المنفردة .
- بعد ان
انتهت الحرب سافر الفنان الى انجلترا ليكمل تعليمه في مدرسة (سليد) الفنية وظل بها
اربع سنوات ثم عاد مع زوجته (لورنا سليم) ليكون (جماعة بغداد للفن الحديث ) وهي
اقوى الجماعات الفنية العراقية واعمقها تأثيرا في الحركة الفنية الحديثة بالعراق .
- من اجمل
اعمال جواد سليم الاخرى ، لوحة النحت البارز عن (عامل البناء) التي حفرها عام 1944
في صخرة كبيرة من المرمر الموصلي واعطاها عنوان مسرحية مشهورة لهنرك ابسن اسماها
(سيد البنائين) واستغرق نحتها عاما كاملا ، ومنها تأثر بالنحت الفرعوني البارز حتى
اتخذ من شكلها تصميما هرميا .
وفاته :
وبعد ان لخص جواد سليم كل افكاره الجريئة واحلامه
الجميلة في نحت ملحمة الحرية .. اصابه المرض ولم يمهله حتى ينتقل الى مرحلة اخرى
يتجاوز فيها كل ماضيه التشكيلي .. ففي خريف عام (1955) أصيب بجلطة قلبية ظل يعالج
منها مدة طويلة .. ثم توفي ، ولكن موت جواد سليم لم يكن سوى نهاية لجسده اما فنه
فقد بدأ حياة عريضة في طموحه ، خصبة من ذلك التاريخ .. مع علمنا انه من عائلة
فنانين ..
ومما يرويه الاستاذ خالد القصاب باللحظات التي سبقت وفاة النحات والفنان
جواد سليم أنه ذهبنا بسيارتين لتناول الغداء في شارع الشيخ عمرفقد شعر بألم في
صدره بعد منتصف الليل ونقل الى مستشفى الجمهوري بباب المعظم ولازمه الدكتور في قسم
الباطنية سالم الدملوجي وكانت زوجته لورنا تلازمه طيلة الوقت حتى شحب واصفر لونه
قائلا لزوجته (تصوري اني اراك الان ملاكا .. تصوري انت لورنا ملاك) ..ثم علت وجهه
ابتسامة ساخرة اختفت فجأة وجمدت عيناه فتوقف كل شئ وقد اصابنا الوجوم أنا والدكتور
سالم ولورنا . وفي ركن الغرفة تجمعت ضلال الاصدقاء تبكي المشهد الكئيب وحضر حافظ
الدروبي واسماعيل الشيخلي وسعد شاكر ومحمود عبد الوهاب وباهرفائق وجسد جواد سليم
مسجى فوق غرفة الاموات على منضدة البورسلين البيضاء وضوء مصباح يتدلى خيطه على وجه
جواد الشاحب ,, أما الفنان خالد الرحال فقد مسك بعجينة ليطبعها على وجه جواد
ولحيته ليأخذ منها قالبا , الا أن العجينة البلاستر قد تيبست وكسرت وأسرع الذهاب
لمعهد الفنون الجميلة ليأتي بعجينة اخرى من مسحوق أخر وطبع وجه جواد وانخرط الجميع
بالبكاء بعدما قال باهر فائق : خالد لاتخنق جواد …
توفي نحات العراق جواد سليم بعدما كان يحلم بنصب عملاق تمر من تحته الاجيال .
في 23 كانون الثاني 1961 توفي جواد سليم وشيع جثمانه بعد الظهر من معهد الفنون الجميلة في الكسرة ليدفن بمقابر الاعظمية وسار بجنازته محمد مهدي الجواهري والفنانون الطلبة واهالي الاعظمية وبغداد . أما رفعت الجادرچي فيقول بأنه لم يقابل في حياته عربياً يتمتع بالليبرالية التي كان يتمتع بها جواد. إن المرأة بالنسبة لجواد هي رفيق مساوٍ له كلياً، بدون أي تكلف، وهذه صفة نادرة جداً عند الرجل العربي. لم يرى جواد سليم نصبه الجميل بعدما ارهقه العمل الشاق وهو يسرع بأنجاز ذلك الصرح العظيم واختفت الشمس الحمراء خلف الافق .
توفي نحات العراق جواد سليم بعدما كان يحلم بنصب عملاق تمر من تحته الاجيال .
في 23 كانون الثاني 1961 توفي جواد سليم وشيع جثمانه بعد الظهر من معهد الفنون الجميلة في الكسرة ليدفن بمقابر الاعظمية وسار بجنازته محمد مهدي الجواهري والفنانون الطلبة واهالي الاعظمية وبغداد . أما رفعت الجادرچي فيقول بأنه لم يقابل في حياته عربياً يتمتع بالليبرالية التي كان يتمتع بها جواد. إن المرأة بالنسبة لجواد هي رفيق مساوٍ له كلياً، بدون أي تكلف، وهذه صفة نادرة جداً عند الرجل العربي. لم يرى جواد سليم نصبه الجميل بعدما ارهقه العمل الشاق وهو يسرع بأنجاز ذلك الصرح العظيم واختفت الشمس الحمراء خلف الافق .
لقد مات جواد
عام (1961) بعد ان اتم نحت عناصر هذا الصرح الفني الشامخ (نصب الحرية) ، وبعد ان
أتم سبكها بالبرونز في فلورنسا .. واثناء تثبيت هذه العناصر الاربعة عشر فاجأته
نوبة قلبية فتوفي في 23 يناير (كانون الثاني) وكانت قد ثبتت قطعتان فقط .. ثم
استمر العمل بعد وفاته حتى ازيح الستار عن الافريز الضخم في 16 يوليو (تموز) 1961
.
وقفة تأمل وختام :
ان
الجهات المتخصصة معنية بجمع اعمال الفنانين الرواد ، وهي الاعمال التي لم يتسن
للجمهور الاطلاع عليها ودراستها دراسة متكاملة . ، بمثابة تجديد ذكرى هؤلاء الرواد
واعادة دراسة اعمالهم مقارنة لواقع الفن المعاصر في العراق ، على مستوى التاريخ .
اذن نحن
ازاء وقفة تأمل ومشاهدة وقراءة تخص تراث واحد من ابرز المفكرين في الفن ، ولنتساءل
: هل ثمة اهمية لهذه التخطيطات والتماثيل التي تقود الى ازمنة عدة . في حياة
الفنان وعمله الفني الفكري ، وندرس بالدرجة الاولى قيمة هذا العمل التصوري الذهني
، وطريقة واسلوب بناء العمل وتكوينه ، التي جعل منه الفنان محاولة لتكامله
واكتفائه ذاتيا . بعد ان عرفنا جواد سليم جيدا ، شخصية ابداعية متجددة ، قلقة ،
واثقا من مكانه الحقيقي من الحركة الابداعية الفنية في العراق . رغم اننا لم نكن
نعرف منذ ان كنا صغارا بصحبة آباءنا وهم يمرروننا على هذا النصب شيئا من هذه
الاشباح السوداء ، ولم نكن نفقه معناها السياسي .!
لا نريد ان نقول كلمتنا الاخيرة عن الفنان الكبير جواد
سليم ، او حكمنا النقدي لعمله هذا ، الفني والفكري ، بل لنمهد للاجيال القادمة ان
تقول كلمتها ، من منظارها الشخصي وما يكنه وجدانهم الصادق وروح وطنيتهم ، ومن
وعيهم الجديد وحداثتهم .
وهكذا ، في احلك اللحظات ، يشعر المرء بالفن ، كيد صديقة
تشد على يديه ، كدعوة صريحة للحياة ، ضد قوى الفناء .
ليس
في العراق
وحده فقط وسط عاصمته
بغداد ساحة
تحرير فحسب
، بل
في كل
عاصمة عربية
عانت من
الاستعمار وتعاني
وحاولت بشكل
او بآخر
التحرر من
قبضته الوحشية
، نصبت رمزا
خالدا يذكر
اجيالها الجدد بتجنب
الوقوع مرة
اخرى في
نفس القبضة
الوحشية ،
او كما تقول الحكمة
الجزيلة (ان المؤمن
لن يلدغ
من جحر
مرتين ) 0 فهل
يتعض اللبيب
؟0
أهم
أعماله :
كان
المرحوم جواد سليم رساما فقد رسم الكثير من اللوحات وسرقت احداها ومن لوحاته عائلة
بغدادية 1953.• أطفال يلعبون 1954.• زخارف هلالية 1955.• الزفـّة 1956.• موسيقيون
في الشارع 1956.• بغداديات 1957.• كيد النساء 1957.• امرأة ودلة 1957.• ليلة
الحناء
1959.• بائع الشتلات 1957.• امرأة تتزين 1957.• صبيان يأكلان الرقي 1958.• الفتاة والبستاني 1958.• القيلولة 1958.• الشجرة القتيلة 1958.• فتاة وحمامة 1958.• مسجد الكوفة 1958.• الخيّاطة 1958.• في محفل الخليفة 1958.
1959.• بائع الشتلات 1957.• امرأة تتزين 1957.• صبيان يأكلان الرقي 1958.• الفتاة والبستاني 1958.• القيلولة 1958.• الشجرة القتيلة 1958.• فتاة وحمامة 1958.• مسجد الكوفة 1958.• الخيّاطة 1958.• في محفل الخليفة 1958.
حاول جواد سليم أن يهرب احد منحوتاته الى
لندن (السجين السياسي) و وسط 3500 مشاركة عالمية فازت بالمرتبة السادسة عالميا
والمرتبة الاولى عربيا عام 1953 …
حاول جواد سليم أن يهرب احد منحوتاته الى
لندن (السجين السياسي) ووسط 3500 مشاركة عالمية فازت بالمرتبة السادسة عالميا
والمرتبة الاولى عربيا عام 1953 …
الباحث : علي الخفاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق