الشباب هو مرحلة القوة بين ضعفين : ضعف الطفولة ، وضعف الشيخوخة ، كما اشار
الى ذلك القرآن الكريم ، في قوله تعالى : ( الله خلقكم من ضعف ثم من بعد ضعف قوة
ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) "الروم:54" .. وهو من الحيوية الدافقة ،
والنشاط والتوثب ، والاحلام والتخيلات ، والعواطف والانفعالات ، وحتى عبر الناس عن
ذلك قديما بقولهم : الشباب شعلة من الجنون !
الحب عمل القلب ، والقلب له منافذ ، البصر أولا ثم السمع في مرحلة أعلى من
التطور ، وفي البصر قال شاعرنا اللبيب :
كل الحوادث مبدأها من
النظر واعظم النار من مستصغر الشرر
وفي الأذن قال شاعرنا الفطن :
يا قوم أذني لبعض الحي
عاشقة والأذن تعشق
قبل العين أحيانا
ألا أن الحب عن طريق السمع لا يحصل الا في مرحلة نضج أعلى أو صفاء ارقى من
مرحلة الحب عن طريق البصر . ومن المهم بمكان أن يدرك المراهق طبيعة المرحلة التي
يمر بها حتى يستطيع التكيف معها والتعايش مع معطياتها ، فمرحلة المراهقة تتسم
بتأجج المشاعر والميل للعاطفية ، ولكنها مشاعر متقلبة .
ولله در من قائل :
أخا السماح
ألا تدنو فتبصرنا
قد حدثوك فما راء
كمن سمعا
أن الأنسان الناضج هو الذي يستطيع أن يتحكم في مشاعره ، ويوقفها عند اللزوم
، حتى لا تورده موارد التهلكة ، وتسبب له المشكلات ، وتسبب لغيره الألم والحسرة .
وكما يقول علماء النفس : أن هناك مبدأين في تعامل الانسان مع هذه الحياة ،
ومع الواقع من حوله :
مبدأ اللذة : وهو دوما هدف الجزء الكامن في شخصية الانسان والمسمى (بالهوى)
، ويدفع الهوى الانسان دوما للحصول على اللذة واشباع العواطف والغرائز دون اعتبار
للواقع ولما يجره ذلك من خسائر ومشكلات .
ومبدأ الواقع : وهو دوما هدف لذات الانسان ، ووظيفته الحفاظ على ذات
الانسان وعلى شخصه خلال هذا الواقع ، وتلجأ من خلال ذلك الى كبت الهوى ، وينشأ
لذلك ما يسمى بالصراع النفسي داخل الانسان .
وتقوم الآنا العليا (الضمير) بتنظيم العلاقة بين الأنا (الذات) والهوى حتى
لا يطغى أحد منهما على الآخر .
أن الله عندما وهب المرأة الجمال
وهب الرجل الأحساس بهذا الجمال واستقباله ، وجعله لغة من لغات التفاهم بين الرجل
والمرأة ، وجعل هذه اللغة المدخل الى القلب والى العقل ، لتتحد هذه العوامل كلها
وتختلط ، لتنتج مزيجا عجيبا هو هذه المشاعر الجميلة بين الزوجين شريكي الحياة ،
بعدما يتكون هذا المزيج فأنه يكون شيئا فريدا جديدا لا يمكن أن نفصل عناصره .
أن هؤلاء الرجال على مستوى العالم ، وهؤلاء النساء المرتبطات بهم ربما بدأت
معظم علاقاتهم بأعجاب الشكل الجمالي الظاهر ، حتى ولو لم يكن جميلا ، شكل رآه
صاحبه جميلا من وجهة نظره ، ثم تطورت العلاقة واستمرت في علاقات كانت هي السبب في
استمرارية العالم حتى وقتنا الحاضر وحتى يرث الله الارض ومن عليها .
لا يكون الحب مكتملا الا اذا توافرت أركانه ، ومنها المعاينة المباشرة ،
والبقاء والاستمرار رغم غياب المؤثر أي أن تصمد مشاعر كل الاطراف ، ولو توقف
الاتصال بينهم . ومن الأركان الضرورية أن يتوافر الاستعداد الكامل لدفع فاتورة
الحساب ، والارتباط الشرعي مهما كان الثمن ، وأن كل طرف يتحمل ظروف الطرف الآخر
كاملة ، الاطفال والعمر بفارقه وتجلياته في السن .
ومن متناقضات الشباب ، منهم الأشرار وآخرين الأخيار ، هناك من الخلق نماذج
من الشر المحض المتجرد من كل فضيلة ، أو كائنات من الخير المطلق المنزه عن كل
رذيلة ، ولكن هناك من ينصبون الأفخاخ ويحسنون حبكها لصيد الفريسة ، وهناك الجاهزون
والجاهزات للوقوع في الفخ فيكتمل المشهد بين شريكين في نفس اللعبة ، وكلاهما خليط
من الخير والشر ، ويمكن رؤية كل طرف تارة بوصفه ضحية وأخرى بوصفه مجرما ، مرة
بوصفه بائسا يستحق الرثاء ، واخرى بوصفه ظالما يستحق العقاب .
وهناك عبر هؤلاء وأولئك جهل كبير بهذا النوع الجديد من الوجود ، وآفاقه
وألاعيبه ومشكلاته ، وبعضهم يعلم لكنه يظن نفسه أذكى وأحرص ثم ينزلق ، (وغلطة
الشاطر بألف) .. وما زال غالب الحديث عن الحب والعلاقات العاطفية في المجتمع .
ومن الشباب من عاش في تربة صالحة ، وبيئة صالحة ، ونشأة سوية ، لا عقد فيها
ولا متاعب ولا مشكلات ، فكان من السعداء . ومنهم من لم يتح له ذلك ، فنشأ في بيئة
منحرفة ساعدته على الانحراف ، فمشى في طريق الغواية ، بعيدا عن الفطرة السليمة ،
في شرود وتمرد .
ومنهم من ينشأ في بيئة دينية ملتزمة ، ولكنها مليئة بالعقد والامراض
النفسية ، والمشكلات السلوكية والاجتماعية ، فتورثه خللا في السلوك ، وتناقضا في
الفكر ، وحيرة امام كثير من صعوبات الحياة . ومنهم من ينشأ نشأة مترفة ، نشىء في
الحلية ، أو ولد وفي فمه ملعقة من ذهب كما يقولون ، فلما واجه الحياة وجد فيها
وردا هنيا وشوكا وشوكا قاسيا ، وحلوا ومرا ، وهو لم يجرب لمس الشوك ، بل هو كما
قال الشاعر :
خطرات النسيم تجرح خديه ولمس الحرير يدمي
بنانه !
فماذا يفعل
أمام خضم الحياة الزاخر بالأمواج والتيارات المتلاطمة ؟
وشباب آخرون كثيرون حائرون : بين ما ورثوه من قيم وأفكار وتقاليد أخرى
تنتمي الى حضارة أخرى : أي النجدين يختار ؟
واذا اختار طريق الصواب ، الطبيعي والمنطقي ، فماذا يفعل أمام هذه المغريات
المتواصلة مما يقرأ وما يسمع وما يشاهد ، التي تهيج الغريزة ، وتثير الشهوة وتدفع
الى الفتنة ؟
ومشكلات الحياة التي لا تنتهي : الدراسة .. والوظيفة .. والزواج .. والأسرة
.. والمجتمع .. والسلطة .. والعلاقة بهذا كله ، وما فيه من عقد تتطلب الحل ،
ومشاكل تتطلب العلاج ، واسئلة قلقة تنتظر الأجابة الشافية .
كل هذه الأمور تستوجب على المثقفين والباحثين المختصين ليعقدوا صلة مع
هؤلاء ، ويفسحوا لهم المجال ، ليفتحوا لهم المجال ، ليفتحوا لهم الآذان لتسمع ،
والعقول لترصد وتعي ، وتوازن وتحلل ، وتضع لهم في ضوء الواقع وامكاناته ما يعينهم
على النهوض من عثراتهم ، أو الجواب عن سؤالهم ، أو المساهمة في حل مشكلاتهم ، في
ضوء معطيات العلم والمعرفة والثقافة ، ورصيد التجربة البشرية .
وهم في هذا يستعينون بكل ذي خبرة ناجحة وصحيحة ، لا خلاف عليها . من علماء
النفس ، أو علماء التربية ، أو علماء الاجتماع ، أو علماء الدين ، أو المجربين
والخبراء في شؤون الحياة .
وأود أن أذكر هنا أمرا ربما يكون له حساسية خاصة لدى كثير من الناس ، وهو
ما يتعلق بالجنس .. فقد تعود الناس أن يعالجوا هذا الأمر بالكتمان والتغطية عليه ،
واعتباره أمرا لا يجوز الحديث عنه ، أو الخوض فيه ، لما فيه من خدش الحياء ، ومنافاة
الأدب العام .
وأود أن أقول : أن هذا لم يكن هو السائد في ثقافتنا الاسلامية ، فالفقهاء
يعرضون لهذه الأمور في كتاب الطهارة في نواقض الوضوء ، وموجبات الغسل ، والحيض
والنفاس والاستحاضة ، ويتعرضون لها في فقه الاسرة : في حقوق الزوجية ، وفي العيوب
التي يفسخ بها النكاح ، وفي غير ذلك من الابواب .
كما يتعرض لها المفسرون في تفسير أيات القرآن ، كما في عدة آيات في سورة
البقرة ، ويعرض لها المحدثون في شرح الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تتعلق بهذا
المجال . وكانت هذه الاشياء معروفة في المجتمع ، وتمضي بيسر وسهولة ، دون أن يشعر
أحد بحرج منها .
المهم ، أن تعرض المشاكل الجنسية وحلولها في جو من الجدية والموضوعية
الثقافية والعلمية ، بعيدا عن جو الأثارة والفتنة . وان اصلاح حياتنا الاجتماعية
وعلاقاتنا الانسانية قد صار فرض عين لا يحتمل التأخير . لأن قوافل الهاربين من
هجير الواقع الصعب المجدب القاسي يمكن أن تراجع نفسها اذا نظرت خلفها فوجدت بريق
أمل أو مكانا يليق بها تمارس انسانيتها فيه ، أو دورا لها يمكن أن تلعبه داخل
الأسرة أو المجتمع والدولة .
وكل من تزوجوا أكدوا أن العلاقة الحقيقية والحب الحقيقي والمعرفة الحقيقية
تبدأ من خلال مواقف عملية ، وأزمات حقيقية تكشف لكل طرف معدن وحقيقة الطرف الآخر ،
سواء كان التعارف قبل الزواج أم لم يتم التعارف أصلا .
أن الحب وأن كان مهما فهو ليس كل شيء في الحياة ، أنما هو شيء وسط أشياء
وقيمة من مجموعة قيم داخل النفس الانسانية ، فعلى المرء ملء فراغ حياته بالعبادة
والهوايات الخاصة والصداقة الايجابية الحية المقبولة اجتماعيا ، ومساعدة الآخرين ،
واستذكار الدروس ، فهناك الف مجال للمتعة وتحقيق الذات الايجابية .
أن عملية صرف الطاقة الموجودة داخل الانسان في النشاطات المختلفة ، وعلى
شغل أوقات الفراغ والبعد عن الوحدة مهمة لاسيما في حياة الشباب . هل تعلم أن بعض
علماء النفس (المدرسة التحليلية) يعتبرون أن جميع النشاطات الأبداعية والعمال
العظيمة في أوجه الحياة المختلفة وهي وليدة رغبات وغرائز جنسية كانت قد تدفع
صاحبها دوما الى بذل الجهد وأنفاق هذه الطاقات وتفجيرها في الأعمال العظيمة ،
هروبا من أثرها السيء ، وهو ما يعرف عند علماء النفس باسم (التسامي) : وهي احدى
الحيل الدفاعية النفسية للتغلب على الصراعات والنوازع الموجودة داخل النفس تماما
كالبخار الكبوت الذي يدفع القاطرة البخارية الى مسافات بعيدة ، ورغم هذه المبالغة
التي لا تخلو من الصحة الكبيرة نسبيا . الا ان صرف الطاقة في النشاطات المختلفة
الثقافية والرياضية والاجتماعية والتعبدية يجعل من هذه الغريزة وسيلة للخير . اذ
أنها تدفع صاحبها دوما الى الأعمال الجيدة هروبا من أثرها السيء البغيض .
اعتقد أننا بصدد أجيال من الكوارث التي صنعناها بأيدينا في تعليم سقيم ،
وتثقيف غائب ، وعواطف تبحث عن تلبية ، وأشواق تبحث عن ترجمة ، وطاقة شعورية هائلة
ان لم تصادف من يفهمها ، ويحسن التعامل معها واستثمارها ، فستكون خرابا لما تبقى
من الدنيا والدين ، كما هي حاليا ولكن في صمت .
وأن أغلبنا لم يتزود بالثقافة أو المعرفة ، فليست تلك الأمور متاحة في
مناهج التعليم النظامي ، وليست هي المادة المتوافرة في أغلب برامج الاعلام ، وليست
القراءة مصدرا معتبرا لدينا في الحصول على المعلومات ، وتداول الافكار .
آن لنا أن نتغير فتكون لنا أهداف واضحة ، وتكون لدينا معرفة عميقة بثقافتنا
وشخصيتنا وأمراضنا الاجتماعية والسياسية ، وأن تكون لدينا معرفة حقيقية بالعالم من
حولنا ، وقدرة على التواصل معه ، لأننا نخوض اليوم معركة لم نكن مستعدين لها ،
معركة ليست بالسلاح التقليدي من صواريخ وطائرات بقدر ما هي معركة بالثقافة والوعي
والأبداع والتحضر ، وهي مفردات عشنا عقودا لا نتداولها أو نتعاطى معها الا في
أبراج المثقفين العاجية ، بينما هي اليوم صلب التحدي المفروض علينا جميعا ، فماذا
نحن فاعلون ؟!!هل يمكن أن ننتقل من مقعد الضحية الى موقف الفاعل النشيط ؟!.
اذا تغيرت نظرتنا لأنفسنا ، وتغيرت أنماط تفكيرنا وممارستنا لمهامنا ، واذا
تدربنا على اساليب أنجح في كسب من نرتبط بهم ، ونقيم معهم العلاقات بأنواعها ..
اذا عدنا لعمق الفهم السليم للانسان ، وموقعه في الكون ، وهدفه من الحياة ، ودوره
فيها ، وعلاقته بالله والبشر ، وبحاجته للحب ، وبقدرته على العطاء تماما مثلما هو
يرغب في الأخذ .
اذا تحسنت طريقتنا فسيستقيم سبيلنا وتعتدل أحوالنا ، ونستطيع عندئذ أن نعيش
الحياة بسعادة وتوازن . وخير ما نختتم به ، قول الامام علي (ع) (الأرواح جنود
مجندة ما تعارف منها أءتلف ، وما تناكر منها اختلف ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق