الخميس، 31 ديسمبر 2015




إحتكار الحياة .. مشكلة الانسان الحقيقية 

       من هو الانسان الحقيقي ، وهل هو جزء من اللانهائي ؟ في هذه الكلمات الوجيزة جدا ، تنحصر المشكلة بأسرها .
      ليس من الجائز أن الانسانية لم تسأل نفسها يوما هذا السؤال ، الا منذ الأمس القريب لا شك ان هذا السؤال قد وجد منذ نشأ الانسان . ومنذ بدأ سعيه فوق الارض ، وهو يبحث عن العلاقة بين المحدود الثابت ، واللامحدود المتغير في حياته . مما يفزع له المرء ، اننا في الواقع كالأطفال : نفك اجزاء الساعة ، ونجعل منها العوبة . ثم ندهش بعد هذا ، لأن الساعة لا تدور !
      من الضروري ان نوفق الى حل للتناقض القائم في الحياة بين الثابت والمتغير . وان نوفق الى جواب لمسألة الحياة حتى تصير الحياة ممكنة . ان كل الثوابت ، من قدسية الروح ، وفكرة الانسان عن الخير والشر ، وغيرها . كل هذه الافكار التى صيغت في الضمير البشري السحيق ، هي افكار لا يمكن لأحد ولا للحياة بدونها بقاء . ومع هذا ، فان هذا الجيل نبذ جهد الانسانية بأسره ، ولا يستطيع صياغتها بنفسه من جديد . وان استطاع فانه يحتاج الى جرأة وشجاعة وشموخ .
      ان الوفرة التي ننعم في ظلها ، تحرمنا فهم الحياة .. ليست الحياة ، التي نحياها ، نحن المتطفلين عليها ، بل هي تلك التي تحياها الجموع العائلة الطيبة .. هذه الجموع التي تخلق الحياة ، وتجعل لها (معنى) .
     هل فكر الانسان ولو لمرة واحدة في سبب اقتتال الناس فيما بينهم ؟ انا اجيبك وبكل بساطة بكلمتين فقط (احتكار الحياة) ! نعم هي فعلا تحتاج الى شرح وتوضيح ، ربما تكلفنا كل اوراق ومداد العالم . أواه ما اصعب ان يتخلص الانسان من هذه (الملكية المحتكرة ) القذرة المجرمة . ان الملكية هذه اساس كل شر . وانما تتآمر الدول وتتقاتل ،لا لشيء الا من أجل احتكار ملكية الحياة ، لأن كلا منها ينشد الملك . فتراها تحارب على ارض العراق ، وفي افغانستان ، وافريقيا ، وفلسطين ، والبحرين ، وسوريا ، وجنوب امريكا ، وعلى امتداد صفحة الكرة الارضية . ان اصحاب المصانع ، وملاك الاراضي ، انما يعملون ويدبرون للملكية المحتكرة وحدها . والموظفون يتقاتلون ويغشون ، ويظلمون ، ويألمون من اجل الملكية المحتكرة . صراع الاحزاب والكيانات والبرلمانات لنفس الهدف الشيطاني . ان العقوبة والسجون ، انما تقوم لحماية الملكية المحتكرة دون سواها . وكل دساتير الارض تنظم من اجل الاستحواذ على هذه الملكية الزائلة .
      ان الحروب التي تشنها الدولة تفسد الناس في عام واحد اكثر مما تفسدهم ملايين جرائم النهب والقتل التى يرتكبها الافراد في مئات السنين كل ذلك في الحقيقة لا لشيء الا (الخوف من المستقبل ) متصورين ان الاستحواذ على ممتلكات الدول الضعيفة يضمن لهم الحياة المستقبلية . والشاعر العربي يقول :
                       قتل امريء في غابة         جريمة     لا    تغتفر
                       وقتل شعب     كامل         مسألة     فيها   نظر


الكاتب الصحفي الباحث : علي الخفاف

الأربعاء، 30 ديسمبر 2015




 اصدار كتاب
دليل كربلاء السياحي (بين التراث والمعاصرة)
للمؤلف الأديب الباحث – علي حسين عبود الخفاف الغفاري
        صدر للمؤلف علي الخفاف كتاب دليل كربلاء السياحي (بين التراث والمعاصرة) ، وهو يبحث عن المجال السياحي في محافظة كربلاء المقدسة ، مدينة القباب الذهبية ، مدينة الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) ، ارض العبادات . يتألف الكتاب من ( 248صفحة ) بالحجم المتوسط ، مع ملحق للصور والخرائط يضم ( 36 صفحة ) ، ومسجل برقم ايداع في دار الكتب والوثائق برقم (778 ) سنة 2013 ، ونشر من خلال مكتبة الحكمة ، ويتألف من  ثمانية فصول :
       الفصل الاول  : يتضمن أضواء كاشفة على محافظة كربلاء . ويشمل التعريف بالمدينة بكل نواحيها الجغرافية، والتسمية ,والحياة الاقتصادية والتشكيلات الادارية وما الى ذلك .
       الفصل الثاني : السياحة التاريخية ، منذ العصر البابلي القديم والساساني مرورا بسنة ( 61للهجرة) حيث معركة (الطف) كربلاء الفجيعة واستشهاد أخيه العباس (ع) وآخرين من اصحابه الشهداء المجاهدين في زمن الدولة الأموية ، ومرورا بالحكومات الاسلامية وأفولها ثم التسلط الاستعماري القديم والحديث وافرازاته السلبية. مع وصف الحائر وتطوره العمراني وطبيعة السكان الاجتماعية القبلية .والغزو الوهابي واسوار المدينة القديمة .ووصف الميادين العامة والشوارع والساحات والمحلات باسواقها ومساجدها وحماماتها ودواوينها ومدارسها وتخطيطها العمراني وغير ذلك .
       الفصل الثالث : متخصص بالسياحة الآثارية المتجذرة بعصور الحضارات البابلية القديمة المزدخرة بكهوف الطار ، والكنائس ، والدير ، وحصن الأخيضر ، ومهرجاناته الفنية السنوية ، وواحة عين التمر ووصف عيونها ، وما تحوي من مدينة شفاثا الاثرية والتاريخية ، ومقاماتها الدينية ، وبحيرة الرزازة (قضاء منخفض الرزازة ) المشهورة بزراعة الرز (الشلب) ، والخانات الخارجية والداخلية ودورها التجاري كمحطات القوافل ، والمساجد ، والحمامات والبيوت القديمة وسراديبها ، والمقابر ، والقصور، واللقى الأثرية النادرة والتلول الغير المنقبة ، ومواقع بدءا بمدخل الى العتبات المقدسة كل من العتبة الحسينية والعباسية ومعالم القرى الاثرية  وغيرها .
       الفصل الرابع : يبحث عن السياحة الدينية بدءا بمدخل الى العتبات المقدسة وما تحتوي كل من العتبة الحسينية والعباسية من مراقد ومتاحف ومكتبات ومدارس قرآنية وقاعات للاحتفالات وممارسات طقسية .مع ذكر المراحل التطويرية لعمران العتبتين المقدستين . والمراقد والمقامات والحسينيات والجوامع والمدارس الدينية الحوزوية . واقسام الامانة العامة للعتبتين المطهرتين البالغة اكثر من (17 قسم) .والنشاطات الثقافية المتمثلة في المسرح والمهرجانات الحسينية السنوية وقاعات الاحتفالات والهيئات الاعلامية الخاصة بها واصداراتها من الكتب والمجلات والمطبوعات الخاصة بالثقافة الدينية المتمثلة بعلوم القرآن الكريم والدورات التعليمية المفتوحة للجماهير وغيرها .
       الفصل الخامس : حيث السياحة الفولكلورية (التراث الثقافي الشعبي بقسميه المادي والعنوي او الشفهي ) لمحافظة كربلاء بشكل ملخص ، ويدور البحث حول الصناعات اليدوية الشعبية بأنواعها ، والمناسبات العقائدية والعادات والتقاليد لاسيما في عاشوراء وصفر والاعياد. والفنون الشعبية كالأناشيد والمواليد ، وقد خصصت بحثا مستقلا في هذا الجانب .
       الفصل السادس : يتعلق بالسياحة العمرانية ، وتطورها لا سيما منطقة الحائر (مركز المدينة القديم) ببيوتها التراثية القديمة ، واسوارها المنيعة ، ودواوينها ونواديها ومضايفها الشعبية ، واسواقها وشوارعها وساحاتها . وسياحة التسوق الشعبية ومعالمها التجارية التاريخية والتراثية . بأسواقها القديمة والحديثة وتاريخ نشأتها . 
       الفصل السابع : حيث السياحة الثقافية لمحافظة كربلاء بمعالمها التراثية ومراكزها الثقافية والعلمية ومظاهرها الحضارية في: الفن والادب والاعلام والصحافة والرياضة والمكتبات والاتحادات والنوادي والجمعيات ومراكزالثقافة والمسارح الشعبية وغيرها المتناغمة مع ظواهر الحداثة والعولمة. أضافة الى ملحق الخرائط والصور.انه كتاب رغم تواضعه موسوعي بكل ما يخص محافظة كربلاء ، غني بالمعلومات الشاملة خدمة لطلاب السياحة الاكاديميين وللسائحين والوافدين والزائرين والمسافرين العابرين عبر الاجواء واكراما للساكنين والمقيمين والمهاجرين . ومساهمة  في اغناء المكتبات التي طالما كان ينقصها مثل هذا الكتاب الحديث .
       الفصل الثامن : السياحة الخدمية بنوعيها المتخصصة والعامة . ان هذا الدليل رغم أهميته الا انه لايمكن تلخيصه ببساطة ، انما هو غيض من فيض في غمار السياحة لمدينة كربلاء . لما أضحت السياحة اليوم بذرة أمل لمستقبل سياحي حضاري مشرق يقدم للعالم تاريخ مدينة كربلاء المقدسة من خلال المعالم الأثرية والتاريخية والثقافية والدينية .
         تنفرد محافظة كربلاء بالمناخ الطبيعي والتكوين المتنوع في الاشكال السياحية منها الدينية والطبيعية والتاريخية والاثرية والاستجمامية لتجعل منها مفتوحة الابواب لاستقبال كل اصناف البشر، نظرا لما يقدم للسائح من تسهيلات وتعاملات جيدة وتوفر استثمارات سياحية في الاعمار وانشاء الوحدات السياحية واستغلال الطاقات البشرية والطبيعية التي تسهم في تطوير الجانب السياحي .
        وصفوة القول إن هذا الكتاب اخذ من المؤلف جهدا متواصلا في البحث والاطلاع والتحري والوقت ، اذ ليس من السهل على الإنسان ان يحيط بهذه المعلومات المهمة بمفرده . وأن يراعي فيه التسلسل التاريخي لاسيما في فصل السياحة التاريخية .
       بعد الاطلاع وقراءة الدليل السياحي في كربلاء بين التراث والمعاصرة  سيجد القاريء الكريم فيه الشيء الكثير  من المعلومات  التاريخية  والحضارية  والجغرافية التي بحثها الباحث علي الخفاف بشكل علمي  وموضوعي  وربط العلاقة بينهما  وبين دورها السياحي  مما أضاف عليها رونقا جعل من كربلاء محافظة ومدينة سياحية . ولهذا فان هذا الدليل يعطي فكرة عن هذه المواقع والظواهر السياحية فكرة تجعل لمن يأتي  إلى زيارتها  صورة معرفية دقيقة  تعطي له تشوق أكثر لزيارتها  ومعرفتها. ويتميز الكتاب بالدقة والموضوعية العلمية والتاريخية والآثارية  في طريقة واسلوب اعداده .
       ويأمل المؤلف بنشره هذا الكتاب أن يسد جزءا من الفراغ في المكتبات ويغني حاجة الدارسين والباحثين والمتخصصين والمثقفين. ومتمنيا لكل من يقتنيه بالاستمتاع والفائدة والاستدلال .
      نال الكتاب اعجاب وتقييم من قبل الأساتذة والباحثين المتخصصين ، وقد استهل البحث تقييم كل من رئيس جامعة أهل البيت في كربلاء الدكتور عبود جودي الحلي والدكتور فاضل الشيخلي عميد كلية السياحة وكالة ، رئيس قسم السياحة الدينية. وكرم بشكر وتقدير من جامعة كربلاء ، كما اسهم مجلس المحافظة في دعمه بالمكافأة في تحملها جزءا من تكاليف الطباعة ، أقدم شكري وتقديري للجميع لما بذلوه من أجل رفد الثقافة والسياحة في محافظة كربلاء المقدسة (أرض العبادات) ومثوى الدماء الطاهرة.
      التعريف بالمؤلف :
-         الاسم ( علي حسين عبود حسن الخفاف الغفاري ) .  
-          المولد: سنة 14 تموز 1957م في محافظة النجف – محلة الحويش الصغير .
-          نشأ وأكمل دراسته العلمية في محافظة كربلاء .
-          خاض غمار المعرفة والثقافة والتاريخ والادب.
-         عضو أتحاد أدباء وكتاب كربلاء .
-         عضو اتحاد الصحفيين العراقيين .
-         عضو المركز الثقافي لنادي الكتاب في كربلاء . 
       لمحات كاشفة عن حياة المؤلف الفكرية كتبها بقلمه :
        كنت وأنا في الثامنة من عمري استهويت المطالعات الخارجية (التثقيف الذاتي) الى جانب الكتب المدرسية ، وعندما بلغت سن الثامنة عشرة من عمري كنت شديد الاحساس بجهلي بقدر احساسي بالملل من مناهج دروسي العلمية ، ولقد قرأت كل ما وقع بين يدي ، وكان شرهي للمعرفة شديدا الى حد أنه لم يكن يهمني أن أقرأ مجلدا في التاريخ أو الفلسفة أو رواية مغامرات أو نقدا للشعر وكل ما تقع يداي عليه .. وأعتقد أن هذه القراءات قد زودتني بمقدار ضخم من المعلومات التي لا غنى عنها . لقد كنت حقا ، دودة كتب ، قرأت الشيء الكثير من الادب اللاتيني والانجليزي والفرنسي والايطالي والأفريقي والامريكي المترجم اضافة الى العربي عبركل عصوره. وكان نهمي للقراءة حادا بحيث لم أكن أجد الوقت الكافي للتأمل فيما كنت أقرأ . كنت لا أكاد أصبر على الفراغ من قراءة كتاب بسبب لهفتي العارمة الى ان ابدأ غيره . وحتى الآن ، فان الصفحات الاولى لأي كتاب أبدأ في قراءته ، ترسل الدماء حارة في عروقي ، فان القراءة بالنسبة لي هي المتعة الحقيقية والتسلية المثالية . انها ضرورة ملحة ، فلو أني حرمتها فترة وجيزة ، لشعرت بالضيق والاضطراب ، كنت استمتع بالقراءة حتى في المناسبات والاعياد . لقد كنت أقرأ بعقلي وليس بعيوني . وغالبا ما أقرأ الكلمات بتمعن أو بتعبير آخر أقرأ الكلمات وليس الصفحات . واخيرا أوصي أبناء جيلي والقادمين الجدد منهم بالقراءة الشديدة ( أقرأوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود) ، ولا تملوا ، أطرقوا باب العلم في أذهانكم حتى تفتح مغاليقها ، ومن الله التوفيق .

الباحث :علي الخفاف

الأحد، 27 ديسمبر 2015




التربية الفنية.. وتذوق الجمال في المدارس













                                                                                                             الباحث : علي الخفاف


       
                                                                                     

       من نعم الله على الانسان أن خصه بتمييز الجمال . فمن منا لم يحسه أو يره ... وهو حولنا وفي كل مكان .. . في لوحات الطبيعة الرائعة ، في نفحات الشعراء ولمسات المصورين .. بل في باطن النفوس يتلألأ مجتذبا حبنا وأعجابنا ..
        نحن في الحقيقة ان كنا أميون فليس في القراءة فحسب ، ولكن في الفنون .
        لماذا نكره الجمال ؟ ان تربية الذوق الفني عند الجمهور بصورة عامة ، وطلاب المدارس بصورة خاصة ، يثير حديثا طويلا .. اذ ان جميع العوامل المحيطة بالانسان العربي تجعله يميل نحو كراهية الجمال الفني ..
       ونحن للأسف نعلمه القبح منذ نعومة اظافره ، عندما نقدم له كتبا مدرسية مشوهة الاخراج ، أو ممزقة نتيجة استعمالها من قبل الآخرين ، مما تنقصها كل عناصر الجمال .. فينشأ الطفل بعيدا عن الذوق الفني .. ومن هنا نراه يتصرف عندما يشب ويكبر تصرفات غريبة مثيرة .. نراه يمسك بالموسى ويقطع جلد المقاعد الوثيرة الجميلة التي يجلس عليها .. واذا رأى حائطا مدهونا نظيفا سارع الى تشويهه بالحبر والقاذورات .. حتى المصابيح الملونة الجميلة في النافورات المائية ، والحدائق والمتنزهات نجدها كلها مهشمة ومدمرة ، والزهور والاشجار الجميلة ، لماذا نقطفها من الحدائق العامة والمتنزهات ، وندوسها بالاقدام ؟
       لماذا كل هذا ؟ انها التربية الفنية التي تنقصنا ... ان الله جميل يحب الجمال ، فلماذا يصر بعضنا على تقبيح كل ما هو جميل .
       والناس الذين يشاركون في الذوق السائد في مجال الفن يميلون على الدوام الى اقناع انفسهم واقناع الاخرين ، بان الحيز هو مظهر من مظاهر الثقافة والنشاط الذي يمكن وصفه فحسب على انه الطريق الملائم للكائن البشري لاختيار اعمال الفن .
       ولكن الذوق في الفن ، في الواقع ، لا يقتصر على كونه مظهرا من مظاهر الثقافة وهو ليس في الواقع نشاطا ، وانما الذوق في الفن هو (موقف) متغير نسبيا مع الثوابت ، بما يحيطه من النشاطات ، وهو تحيز ناجم عن الاعمال الجديدة التي انتجتها الحضارة والثقافة في المجتمع حيثما توجد .
       ان الوسيلة الوحيدة التي يمكن ان نخلق بها الذوق الفني بين افراد مجتمعنا ، هي ان نبدأ معه من المدرسة ، ( لأن النبتة التي لا عرق لها لا يمكن ان تعيش او تزهر ) .. ولا يمكن ان ننسى ان اعداد استاذ التربية الفنية في المدارس من اهم الضرورات .. وهذا يجب ان يكون من خريجي المعاهد الفنية وليس من الشعبة الفنية التابعة لدور المعلمين ، حيث الدراسة الفنية مركزة ومختصرة ..
       انهم يقولون عنا في بلاد الخارج اننا شعب لا يقرأ .. والواقع اننا أميون ، لاتجاه الكتابة والقراءة فقط ، وانما تجاه الفنون .. اننا نجتر ماضينا اجترارا .. جمدنا تراثنا الفني الاسلامي ، ووقفنا به عند النقطة التي استلمناه فيها ، لم نستغله او نطوره ..
       أضف الى ذلك ان بلادنا هي مهد اغلب حضارات العالم العظيمة : اشورية ، وبابلية ، وسومرية ، واكادية ، وكلدانية .. كل هذا التراث الحضاري ، الذي لا يقدر بثمن ، يجب ان نعب منه عبا .. ولكننا للاسف نجهله جهلا تاما .

     التذوق الفني :

         يكاد يكون الفن هو الميدان الوحيد الذي تتناوله السنة الناس بالمدح أو الذم دون أن يعرفوا عن طبيعته شيئا . على العكس من ميادين أخرى كالطب أو الهندسة ، فالناس لا تقترب منها ما دامت لا تعرغ عنها شيئا .
         والسر في هذه الظاهرة يرجع الى طبيعة كل من الفن والعلم . فالفن بطبيعته كيان مفتوح يحمل المعاني والأحاسيس ، بينما العلم فهو كيان مغلق لا يعرف أسراره الا من كان على دراية به .
        من هنا كان الفن قريب من الناس ، وبالتالي أصبح التطاول عليه أكثر من التطاول على العلم . ومن هنا أيضا جاء الأعتقاد السائد بأن (الفن مهنة من لا مهنة له) ، أو أن الفن ليس بميدان تخصص ، لا أسس ولا قواعد ولا معايير بالنسبة له . لا سيما وأن كل تخصص ينبغي أن يكون له أسس وقواعد ومعايير ، والفن من هذا كله ، خلو منه ؟؟
       والحقيقة أن الفن بريء من كل هذا ، فهو ميدان تخصص ، له قواعده وأسسه ومعاييره التي يقاس بها ، وألا ما كان له وجود أو كيان يعرف به . ومن منا لا يشعر بوجود الفن وأهميته ؟! ان الانسانية على امتدادها الطويل ما عرفت عن شيء أكثر مما عرفت عن الفن . والحضارات القديمة والحديثة ما قامت الا وكان للفن دور بارز في نهضتها وتقدمها . ان الفن والانسان صنوان متلازمان ، بل أن الفن مظهر لوجود الانسان وتأكيد لحياته وكيانه .
        وشعورنا بقيمة الفن واعترافنا بوجوده دليل ضمني على أن له مواصفات أو خصائص . وهذا بالتالي دليل على أن له أسس وقواعد ومعايير يقاس بها . وما دام الأمر كذلك ، فالفن اذا مهنة أو صناعة أو مجال تخصص .
        ومهنة الفنان هي الفن ، بل ان الفن وسيلة الفنان في التعامل والاتصال بغيره من الناس . وعمليات الاتصال دائما ذات مسؤولية مزدوجة ، جزء منها يقع على المرسل والجزء الآخر يقع على المستقبل ، كما هو الحال في مواقف الحديث أو الحوار التي تدور بين الناس . فأذا ما تحدث شخص ، عليه أن يتحدث بصوت مرتفع وهذه مسؤوليته ، وعلى الثاني أن ينصت اليه وهذه مسؤوليته ، والا اختل الحديث وأصبح مشوشا وخال من الفائدة المرجوة منه .
       وعلى نفس الصورة ، وبنفس المبدأ تسير عملية التذوق الفني .فالفنان طرف في عملية التذوق وعليه جانب من مسؤوليتها ، والمستمتع طرف آخر وعليه جانب آخر من مسؤوليتها .

       قيم الجمال المادية والمعنوية :

       أن الانسان الفرد في استقباله لأنواع القيم أو المتع التي تأتيه من الحياة ، لا يفرق بين متعة معنوية وبين متعة مادية . لأنه انسان ذو كيان واحد ، ولأنه في نفس الوقت ، عندما يستقبل المتعة التي تأتيه من الشجرة التي أمامه مثلا ، لا يفرق بينها وبين المتعة التي تأتيه من الكرسي الذي يجلس عليه بعد يوم شاق طويل . ففي كلتا الحالتين لن يأخذ الانسان الشجرة ولا الكرسي بداخله ، وانما كل ما يجنيه هو آثار نفسية من تلك الشجرة ، وآثار نفسية من الكرسي كأنسان ذو كيان واحد . بذلك فالقول بأن هذه متعة معنوية وتلك متعة مادية قول غير صحيح .

الفن .. طبيعته وخصائصه في زمن العولمة

     الفن كما نراه ، أثر ابداعي جمالي يجسد المعرفة الحدسية ، اذ ان الفنان لا ينقل ما تراه عينيه فحسب ، بل ما يحدسه . وهو كثيرا ما يتجاوز الواقع والطبيعة المألوفة ، لا سيما في عصر العولمة، حيث اصبح الفنان بعيدا عن موضوعه ، معتمدا على خياله المجرد ، او على عقله الباطني وعالم الا شعور ، او الحركة الآلية العشوائية ، او اعتماده على الآلة الالكترونية (الحاسوب) .
      أما الموضوع في الطبيعة فما هو الا لوحة مستقلة ، لا علاقة لها بأثر الفنان . ولهذا فان الابداع هو الصفة الاساسية التي تميز الفن عن سائر النشاطات الانسانية . فهو محاولة للتجاوز ، محاولة لكشف عما وراء الصورة والصوت والحركة ، انه في حقيقيقته فيض امكاني ، وهو (الحياة المكثفة).
      ان طبيعة الابداع تعني الكشف المستمر عن الجمال فهو ثورة دائمة . وان القيم الجمالية نسبية عند الفنان ذاته ، والجمال الذي يعبر عنه الفنان يختلف عن الجمال في الطبيعة ، فالجمال يقع في ذات الفنان وليس موضوعه .
      تتطلب عملية الابداع نوعا من الامتلاء الروحي والثقافي والجمالي والتراثي والحضاري . باعتبار ان (الفن هو الانسان مضافا الى الطبيعة ) .
      على اننا لا نستطيع ان نهمل الطبيعة كليا من حساب الفنان ، اذ لا بد له من الافادة من عناصرها الاولية ، ولكن الفنان ، رغم فوائده تلك ، يخون هذه العناصر لكي يعود الى روح عمله الفني .
      نحن نرى ان الفن في زمن العولمة هذا يلقي الكثير من الصعوبة لتذوقه ، وان كان في حد ذاته الكاشف الصحيح عن مرحلة معينة من مراحل الثقافة ، كما حصل لكثير من الفنانين المحدثين .
     ونرى على هذا السياق ايضا ، ان مهمة الفن هي الكشف عن الحقيقة بشكل حسي في صياغة فنية .. وللفن غاية في ذاته في التصوير والكشف بالذات . اذ ليس للغايات الاخرى الانسانية كالوعظ والتطهير والتقويم والكسب والمجد والحصول على الالقاب اية علاقة بالمؤلف الفني كمؤلف فني ولا تحدد مفهومه
      على انه لا بد لتوضيح طبيعة الفن من تحديد خصائصه التي يمكن تحديدها بالعناصر (الانسانية ، والحرية ، والجمالية ).
      نحن نعرف من خلال هذه العناصر الثلاث ، ان الفن ظاهرة انسانية ، ترتبط بفاعلية راقية ، وهذه الفاعلية تحتاج الى وعي وثقافة وارادة ، وهذه جميعها لا تتوفر الا في الانسان ، فجميع التجارب التي اجريت على الحيوان ، لاختبار كفاءته الفنية ، باءت بالفشل الذريع .
      ان الجمال في ذاته ليس له وجود ، ولا بد لقوة فاعلة حاسة من ان تكشف عنه او ترمز له باشكال من الطبيعة او من عاطفة الفنان ، او بتعبير اخر ان الشيء الجميل يحتاج من يحبه (الله جميل .. يحب الجمال ) . ان اهمية الجمال في من يصنع اطارا للتعريف به ، اي في العين الفنية ، وهذا يعني ان من يسعى للكشف عن الجمال ، يجب ان يتحلى بالحساسية والارادة .
       والحساسية الفنية هي نوع من الارهاف الحدسي ، الذي يدفع الفنان لادراك الجمال ، دون سيطرة العقل او الشعور او الخيال .
      اما الارادة فهي مظهر الاتزان ، وهي ايضا الوسيلة لقلب الحدس الى فعل . فالصفة الاساسية للانسان الفنان هي العمل ، ويبقى الانفعال او الحدس المجرد عن الفعل ، هو من خصائص المتذوق ، اما الفنان فهو الاداة الفاعلة المعبرة ، المسؤولة عن الابداع والكشف .
      ولان الفن فاعلية ابداعية ، فهو يتطلب الحد الاعلى من ( الحرية )، و (الجمال) هو الحقيقة التي تجذب الفنان بالحاح ، والجمال صفة (انسانية ) عامة ، وهو فوق الخير والحق ، اذ ان ما هو خير وحق هو جميل بالضرورة ، ولكن ليس كل ما هو جميل خير وحق . فالجمال هو الصفة العامة المطلقة للانسان ، ولذلك فهو حقيقة انسانية يسعى وراءها الفنان المبدع .

         المقترحات :

           ومما نأمل تحقيقه في هذا المجال التربوي والحضاري والثقافي ،ما يلي :
        _ الاهتمام الجاد بتدريس الفنون في المراحل التعليمية المختلفة .
        _ انشاء متاحف للفن المعاصر وتبادل الاعمال الفنية بين المتاحف . لا سيما الفنون الشعبية والتراث التقليدي .
        _ عمل افلام وثائقية عن الفنانين .
        _ اقامة معارض وثائقية عن وحشية الصهيونية والارهاب ضد الانسانية .
        _ استخدام الفنون التشكيلية في تزيين المدن . واشراك الفنان التشكيلي في مجالس المحافظة .. وتخصيص نسبة معينة من كلفة المشاريع والاعمار للفنون التشكيلية .
        
       
الباحث :علي الخفاف
       (نشرت في مجلة مدارات تربوية – العدد 21 – السنة الخامسة – نيسان 2013 – مجلة دورية تصدر عن المديرية العامة للتربية في محافظة كربلاء ) .