اغنيات العيد .. فولكلور متأصل وسمو في الابداع
للعيد فولكلور يشكل حديثا فنيا
معبرا عن العبق والنكهة الخاصة به عند جميع المجتمعات والشعوب ، لما له من باطنية تعبيرية
.
ان من يتفهم هذه الباطنية التعبيرية
عند الفرد العربي عبر العصور ، يجدها اثرا وتذكارا اصيلا لمواجهة تقلبات الحياة الواقعية
اليومية ، حيث تكشف له عن فيض التنويعات التعبيرية التي يواجه بها حاجاته الروحية ازاء
المناسبات الفولكلورية التي تحفل بها لوحة تاريخه .
وبقي للعيد اثرا ثابتا وملحوظا
على مدى التاريخ العربي والاسلامي لفترات مختلفة
، لاسيما في فن الغناء العربي ، وكان المغنون ينشدون الاغاني المعبرة عن فرحهم وابتهاجهم
بقدوم العيد السعيد حتى الصباح في قصور الخلفاء والامراء والسلاطين على مدى العصور
، في الصر الاموي والعباسي ، وفي بيوت الموسرين منهم .
ولدت الكلمة العربية المعبرة
عن مشاعر العيد بين العشب والتلة ، بين الصحراء الناطقة ولدت الكلمة المستحمة بعطر
المياه الصخابة في الريف العربي ، والتقطت صوت المطر وغناء الغابة ، وفرحة العيد فرصة
نادرة يطوف بها الانسان في دهاليز الليالي ووضوح النهارات ، حيث اكتسبت نبراتها الغنائية
المطلقة
اتسمت اغنية العيد في التاريخ
بالبساطة النغمية التي تصاحبها الات الايقاع من طبول ودفوف ومزامير وربابة ، اما المسار
اللحني في اغنية العيد فانه حاول ان يكون مزخرفا ومنوعا باضافة التموجات الصوتية المسماة
في الاصطلاح الموسيقي (الزوائد).
وبقيت اغنية العيد صورة بارزة
يتجسد فيها هدوء الصراع بين النقائض ، فهي تعني الفرحة الغامرة والتعبير عن التآلف
التلقائي بين الذات والموضوع ، والعاطفة والعقل ، والزهو الفردي والوعي الاجتماعي من
حيث احترام مشاعر الناس وافراحهم ومطالبهم وتطلعاتهم .
ومن هذا نجد ، ان في اغنية العيد
الممتدة بين العصور المختلفة فولكلورا واصالة وتوقا عميقا الى السمو والابداع ، وفي
الجانب الآخر نجد اغنية العيد قد شكلت تصويرا ركيكا مدبجا مثلوما ، وعن مشاعر الانسان
الذي يتطلب دوما وسائل جديدة للتعبير الا ان الفنان العربي لا يستطيع لظروف سايكولوجية
ان يحقق الوصول الى تلك الوسائل التعبيرية على الدوام لا لقصور في مقدرته الفنية انما
للشعور المجزأ العابر الذي تحويه اعماقه .
في عصر جيلنا الماضي ، تبارى الملحنون
الكبار في تصوير العيد نغميا كما تبارت الاصوات الصادحة في غناء افراح العيد ، وتقف
سيدة الغناء العربي الراحلة ام كلثوم في المقدمة الاولى من الاصوات العربية التي غنت
للعيد ، ولعل اولى اغنياتها هي : (أغنية العيد) . وهي من تأليف الشاعر احمد رامي والحان محمد القصبجي من مقام
حجاز كار .
يا بهجة العيد السعيد لما ابتسم زهره
النادي
يا طلعة
اليوم الجديد يا
فرحة الطير الشادي
يوم التهاني بين
الأحبة يوم الفرح
والأماني
تحلى في قربه كأس المحبة على
رنين الأغاني
يا نديم الروح صفا وقت الخيال
والنسيم ساري عليل
غن لحن الشوق وهني بالوصال كل من
له خليل
وكذلك اغنية (حبيبي يسعد اوقاته ) تأليف محمود بيرم التونسي والحان زكريا احمد من مقام البيات
في المقطع الذي تقول فيه (وكل ما يهل هلاله ... تتعاد الاعياد)
و (الليلة عيد على الدنيا سعيد ) . وغنت ملكة الغناء العربي الاصيل ، وصاحبة الحنجرة الذهبية
ايضا (يا ليلة العيد انستينا وجددتي الامل فينا ) من تأليف احمد رامي ورياض السنباطي من مقام البيات .
وغنى الموسيقار الراحل فريد الاطرش بصوته المديد
والشجي للعيد في اغنيته الذائعة الصيت (هلت ليالي حلوة وهنية ، ليالي رايحة وليالي جاية) من مقام البيات ، كما غنت المطربة الراحلة نور الهدى اغنية
تحيي فيها قدوم العيد من كلمات بيرم التونسي والحان فريد الاطرش مطلعها (هلت ليالي العيد ... على الاسلام سعيد) في لحن رشيق فرح متوثب غامر بروح الصدق والتوحد والانشاد
، وغنت صاحبة الحنجرة الحريرية الرقيقة فيروز للعيد في قصيدة مطلعها (غنيت مكة اهلها الصيدا ... والعيد يملأ اضلعي عيدا) من الحان الاخوين رحباني ، وغنى صاحب الحنجرة النادرة ناظم
الغزالي للعيد ( أي شيء في العيد اهدي اليك) .
وهكذا ، غنت اصوات عديدة اغاني
العيد ، اختلفت قيمتها غير انها نجحت في التعبير عن حالات الفرح والامل والتجدد ، لاسيما
في حقبة المنتصف من القرن الماضي ، اما اليوم في عصر صناعة الحاسوب للاغنية العراقية
الجاهزة فلا مجال للحديث عنها كما لا مجال لأستماعها .
الكاتب الصحفي الباحث : علي الخفاف